
"وصمة عار جديدة" لجيش الاحتلال.. ممتلكات غزة المنهوبة "تجارة مشبوهة" للجنود
في خضم الصراعات العسكرية التي يخوضها جيش الاحتلال الإسرائيلي، تبرز ظاهرة نهب ممتلكات المدنيين في مناطق النزاع، إذ استولى جنود الاحتلال على ممتلكات ثمينة من قطاع غزة ولبنان وقاموا ببيعها في الأسواق السوداء أو على منصات التواصل الاجتماعي.
هذه الظاهرة، التي أصبحت قاعدة غير مكتوبة داخل وحدات الجيش الإسرائيلي، تعكس انحدارًا أخلاقيًا خطيرًا يطال جميع المستويات، من الجنود العاديين إلى القادة الكبار، وفي تقرير نشره موقع "أسخن مكان في الجحيم" العبري، يكشف عن حجم هذه الظاهرة وأساليبها.
وفقًا لشهادات عدة، فإن عمليات النهب التي يقوم بها جنود الاحتلال لم تعد مجرد حالات فردية، بل أصبحت سلوكًا راسخًا داخل وحدات جيش الاحتلال الإسرائيلي، إذ يروي "إيتان"، أحد الجنود الذين خدموا في لواء ناحال، كيف أن عمليات النهب كانت منتشرة بشكل لافت في أثناء خدمته بغزة.
وأوضح أن الجنود اعتادوا أخذ "الهدايا التذكارية" من منازل الفلسطينيين، بدءًا من السجاد والمخابز وصولًا إلى الأثاث والمقتنيات الثمينة، في البداية، حاول بعض القادة ضبط هذه الممارسات، لكن مع مرور الوقت، أصبحت مقبولة بشكل ضمني، ما سمح بانتشارها دون أي رادع حقيقي.
ولم يتوقف الأمر عند نهب الممتلكات الشخصية، بل تعداه إلى الاستيلاء على الأسلحة والمعدات العسكرية من غزة وجنوب لبنان، ووفقًا للتحقيق، يتم بيع هذه الممتلكات عبر قنوات سرية على تطبيقات مثل "تليجرام"، وأحيانًا عبر منصات مفتوحة مثل Marketplace التابع لـ"فيسبوك"، وتشمل المعروضات مجوهرات ذهبية تحمل نقوشًا عربية، وأجهزة إلكترونية متطورة، وحتى أسلحة ثقيلة مثل بنادق الكلاشينكوف.
وفي إحدى الحالات التي تم توثيقها، عرض شخص مجهول الهوية "جيتارًا من غزة" للبيع مقابل 450 شيكل، مصحوبًا بوصف يشير إلى مصدره، وبعد إثارة الجدل، تمت إزالة الإعلان بسرعة، لكن الحادثة كشفت عن حجم التجارة غير المشروعة التي تحدث في الخفاء.
ويبدو أن بعض الجنود يبررون هذه الأفعال بالانتقام من الفلسطينيين بعد هجوم السابع من أكتوبر، فيقول أحد الجنود الذين قاتلوا في غزة، إن هناك اعتقادًا شائعًا بين الجنود بأن "كل شيء مسموح بعد ما حدث في السابع من أكتوبر".
وبهذا المنطق، يصبح النهب وسيلة للانتقام، إذ يتم الاستيلاء على الأموال والممتلكات بحجة أن الفلسطينيين يستحقون ذلك، ويضيف أن القيادة العسكرية تتجاهل عمدًا هذه الظاهرة، بل إنها أحيانًا توفر الغطاء لها.
وعلى الرغم من أن القانون الدولي يحظر النهب بشكل صارم، إلا أن التحقيق الذي نشره الموقع العبري، يشير إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يطبق القوانين بصرامة، ووفقًا للمادة 74 من قانون القضاء العسكري الإسرائيلي، يُعاقب الجندي الذي ينهب بالسجن لمدة تصل 10 سنوات، إلا أن الأحكام الفعلية غالبًا ما تكون مخففة، وعادةً ما يحصل المُدانون على عقوبات لا تتجاوز بضعة أشهر.
وأصدرت المدعية العسكرية الرئيسية الإسرائيلية، يفعات تومر يروشالمي، بيانًا يحذر من تزايد ظاهرة النهب داخل الجيش، مؤكدة أنها "تجاوزت الخطوط الحمراء".
وأرسل رئيس الأركان الإسرائيلي تحذيرًا إلى قادة الجيش، مشددًا على ضرورة احترام القواعد الأخلاقية وعدم الاستيلاء على الممتلكات الخاصة، ورغم هذه التصريحات، فإن الواقع على الأرض يعكس صورة مختلفة تمامًا.
ومن خلال البحث في المنصات الرقمية، اكتشف موقع "أسخن مكان في الجحيم" أن عمليات البيع تتم بسرية تامة، إذ تُستخدم مجموعات مغلقة على "تليجرام" لإتمام الصفقات بعيدًا عن أعين السلطات.
ويروي "ليور"، أحد الجنود الذين شاركوا في القتال بغزة، كيف أن بعض الجنود كانوا يأخذون الغنائم الثمينة، مثل أجهزة الماك بوك وسماعات AirPods، ليبيعوها لاحقًا بأسعار زهيدة، وبعضهم حتى كان يعرض الأموال النقدية التي استولى عليها من منازل الفلسطينيين.
ومن اللافت أن القيادات العليا في جيش الاحتلال الإسرائيلي لا تُبدي أي اهتمام حقيقي للحد من هذه الظاهرة، فيقول جندي إسرائيلي وفق الموقع العبري، إنه لم يتم إصدار أي أوامر واضحة تمنع الجنود من أخذ الممتلكات، وأن القرار يُترك بالكامل للقادة في الميدان، وأن بعضهم يرفض السماح بالنهب، لكن العديد منهم يغضون الطرف عنه، بل وأحيانًا يشاركون فيه، وهذا التهاون يعزز ثقافة الإفلات من العقاب داخل الجيش.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تحاول تقديم نفسها كدولة تحترم القانون الدولي، فإن هذه الممارسات تضعها في موقف حرج أمام المجتمع الدولي، فمقاطع الفيديو والصور، التي توثق عمليات النهب تثير استياءً واسعًا، ليس فقط في الأوساط الحقوقية، لكن أيضًا بين بعض الإسرائيليين الذين يرون في هذه الأفعال وصمة عار على جيشهم.
ويؤكد التحقيق أن عمليات النهب داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي ليست مجرد تجاوزات فردية، بل هي ممارسة منتشرة تمتد من الجنود العاديين إلى القادة الكبار، ورغم القوانين التي تحظر هذه الأفعال، فإن العقوبات لا تُطبق بصرامة، ما يسمح باستمرار الظاهرة.