دولة اللا كفاءة.. واللا شعب!
المصائب لا تأتي فرادى!، وخبطتين في الرأس في يومين متتاليين يجعلانك تسأل بمرارة ليس عن أسباب المصائب تحديدا، فهي معروفة وواضحة وصادمة للمصريين كل يوم، ولكن تسأل عن رد الفعل كيف نتصرف إزاءها لتفادى آثارها ومعالجة تداعياتها!.
المصيبة الأولى كانت – لا مصيبة ولا حاجة- ولكنه تقرير لمجلة إيكونميست بعنوانthe ruining of egypt عن حال الاقتصاد المصري، وكيف تتعامل الدولة والرئاسة مع أزمته الطاحنة، وفي التقرير الذي أعقبه جزء كاشف آخر بعنوان the state of denial، كلام واضح بالأرقام يقول إن محنة الاقتصاد المصري هي فيمن يديرونه، وأن الأزمة الكبرى تكمن في "الإنكار"، إنكار الحقائق، وحتى إنكار أن هناك أزمة أحيانا، وإنكار وجود كفاءات في مصر قادرة على قيادة مركب الاقتصاد وسط هذه العواصف، واستبعاد كل المفكرين والمثقفين من عملية المواجهة، التي تنفرد بها مجموعة ضيقة محدودة الكفاءة، من أهل الثقة المحيطين بدائرة الحكم.
وإلى هنا كان يمكن لكلام المجلة الاقتصادية الشهيرة أن يمر بدون أن يلفت انتباه حكومتنا "المتعودة دايماً" على مثل هذه الانتقادات، ولكن التقرير سأل في نهايته السؤال الأهم، وهو عما إذا كان الرئيس السيسي ومستشاريه ورجاله سوف يستمرون على نفس النهج أربعة أعوام أخرى، إذا ما قرر الرئيس ترشيح نفسه لولاية ثانية، وما إذا كانت مصر ستتحمل بالتالي تبعات استمرار نفس السياسات المالية والاقتصادية، التي تغرقها في بحر الديون دون أي بادرة لإصلاح إداري وحكومي وسياسي جاد، وبدء سلسلة برامج طموحة تقوم على التصنيع والانتاج والتصدير، وليس على المعونات والتبرعات وإرهاق وإفقار جميع فئات الشعب!.
وكان هذا التساؤل بالذات هو مربط الفرس، الذي كشف محنة الفلس، وعقم الإدارة المهتزة المذعورة من خيالها، السؤال أزعج جدا وزارة خارجيتنا، التي انتفضت ودبجت بياناً عصبياً إنشائياً أقل ما يوصف به هو أنه "بيان أمني"، وليس ردا دبلوماسيا، كنا في غنى عنه بالأساس، فهي مجرد مجلة، كتبت مجرد تقرير، يكتب اقتصاديون مصريون وخبراء وطنيون مثله كل يوم، محذرين الحكومة من المسارات الكارثية، التي تقودنا إليها بسياساتها، لكن وزارة الخارجية وخلفها الأبواق المعتادة اعتبروا أن الهجوم على السياسات الاقتصادية الحالية، هو طبعا وراءه مؤامرة على مصر، وأن المقصود هو تقويض النظام وهدم الانجازات التي لا يراها الحاقدون، "والمؤكد" أن وراء المؤامرة الإخوان بالتأكيد!. ما هذه الحكومة التي يهزها مقال في جريدة؟.. وأي إفلاس وانعدام كفاءة هذا الذي تغرق فيه دولة تفشل في الرد على مقال؟!.
المصيبة الثانية (وهي لا مصيبة ولا حاجة )، عندما واجه لاعب جودو مصري اللاعب الإسرائيلي في منافسات الأولمبياد وسط أجواء مشحونة وعواصف محبطة، جاءته من أصوات زاعقة يائسة بائسة في بلاده تطالبه بالانسحاب .."اوعى التطبيع".. ارفض تلاعب اليهودي عدوك الخنزير الكافر!، ولأن الانسحاب يعني فضيحة رياضية عالمية، "يضطر" اللاعب المصري للمواجهة، وعندما يلقى هزيمة مذلة ساحقة، ولا يثبت جدارته ويكشف عن ضعفه وانعدام كفاءته، ويفشل في الدفاع عن علم بلده، يكتفى بأن يرفض مصافحة منافسه الإسرائيلي في مشهد مخجل أمام العالم!... ما هذا الرياضي الفاشل الذي واجه خسارة بخسارة أكبر؟.. ومن علمه الأخلاق الرياضية وروح المنافسة وسلوك المهزوم أمام المنتصر؟.
إنها بعض من صور الانهيار والانحدار والافتقار المحزن للكفاءة، وكيفية مواجهة المحن والأزمات، وإن الأمم العظيمة لا تنكسر أمام مقال أو رأي مخالف أو نقد كاشف لخطأ أو فساد، والشعب الواعي الجسور الواثق من نفسه، لا ينحني ويهرب ذليلا أمام منافس أو عدو في محفل رياضي.. إنه للأسف شبه الشعب في شبه الدولة، المحكومة بأشباه المسئولين!!.