
أوروبا تتمرَّد على سياسات ترامب الاقتصادية.. خطة جريئة لخلق تحالف تجاري عالمي "يستبعد أمريكا"
كشفت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية عن خطة جريئة لتشكيل تحالف تجاري عالمي جديد يستبعد الولايات المتحدة، وذلك في مواجهة التهديدات التجارية المتصاعدة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يطالب بفرض رسوم جمركية عقابية تصل إلى 50% على السلع الأوروبية.
مبادرة أوروبية طموحة
وطرحت فون دير لاين، في أعقاب قمة قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل في ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة، فكرة انضمام الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى أعضاء "الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ"، التي تضم 12 دولة، بما في ذلك المملكة المتحدة، وفقًا لما نقلته صحيفة "بوليتيكو".
وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أن هذا التجمع الجديد سيعمل على "إعادة تصميم نظام تجاري عالمي قائم على القواعد"، مع إمكانية إصلاح أو حتى استبدال منظمة التجارة العالمية "المعطلة إلى حد كبير".
وأضافت: "هذا مشروع أعتقد أننا يجب أن ننخرط فيه حقًا، لأن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ والاتحاد الأوروبي قويان جدًا".
والأهم من ذلك، أن الولايات المتحدة لن تتم دعوتها تلقائيًا للانضمام، إذ ستكون الدعوة من اختصاص الاتحاد الأوروبي واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، وأوضحت فون دير لاين: "حسب فهمي، فإن الأمريكيين انسحبوا في مرحلة معينة".
أوروبا تغيير استراتيجيتها
وقال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي: "الكتلة يجب أن تكون مبتكرة جدًا، وأحيانًا ربما غير متوقعة، مثل أصدقائنا من الجانب الآخر للأطلسي".
وأضاف توسك، الذي يتمتع بخبرة واسعة في المفاوضات الصعبة بصفته رئيسًا سابقًا للمجلس الأوروبي وقائدًا لمفاوضات البريكست: "أعتقد أننا جميعًا ندرك هذه الطريقة الجديدة في التفاوض والحديث عن التجارة"، في إشارة واضحة لتكتيكات ترامب التخريبية.
تأتي هذه المبادرة الأوروبية بعد أن قضى ترامب ستة أشهر في قلب النظام التجاري العالمي رأسًا على عقب، من خلال التهديد بفرض رسوم جمركية، ثم تخفيفها لفتح المفاوضات، مع التحذير من إعادة فرض رسوم عقابية إذا لم تكن الشروط مرضية له.
دعم ألماني قوي
حظيت مبادرة فون دير لاين بتأييد علني من أقوى زعيم في أوروبا، المستشار الألماني فريدريش ميرز، الذي قال: "إذا كانت منظمة التجارة العالمية معطلة كما هي منذ سنوات، ويبدو أنها ستبقى كذلك، فعلينا نحن الذين ما زلنا نعتبر التجارة الحرة مهمة أن نبتكر شيئًا آخر".
ضغط الوقت
ومع بقاء 13 يومًا فقط على الموعد النهائي الذي حدده ترامب لإبرام اتفاق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تواجه القيادة الأوروبية ضغطًا شديدًا.
وهدد ترامب بفرض رسوم جمركية عقابية على السلع الأوروبية تصل إلى 50% بعد 9 يوليو إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
يُتوقع من فون دير لاين وفريقها التفاوض على مخطط تمهيدي لعقد في الأيام القليلة المقبلة؛ لتلبية موعد ترامب النهائي.
وبحسب ما كشفته "بوليتيكو"، هضم القادة الأوروبيون بصعوبة أنباء اقتراح جديد من الولايات المتحدة لمزيد من المفاوضات أثناء جلوسهم حول مائدة العشاء.
تراجع الموقف الأوروبي
وشهد الموقف الأوروبي تراجعًا مقارنة بما كان عليه قبل شهر واحد فقط، عندما كانت دول الاتحاد الأوروبي متفائلة بشأن إجبار ترامب على التراجع في حربه التجارية.
في ذلك الوقت، احتقروا الاتفاق التمهيدي الذي أبرمه الرئيس الأمريكي مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، مؤكدين أن الكتلة قوة تجارية عظمى ولن تقبل أبدًا بالرسوم الجمركية الأساسية لترامب البالغة 10%.
تغير كل ذلك الآن، إذ قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "من الأفضل أن تكون الرسوم الجمركية أقل ما يمكن، 0% هو الأفضل، لكن إذا كانت 10% فلا مفر منها وستكون 10%".
فيما أكد الرئيس الليتواني جيتاناس ناوسيدا لـ"بوليتيكو" أن الاتحاد الأوروبي يمكنه في أحسن الأحوال "أن يأمل في معاملة مثل المملكة المتحدة"، عندما يتعلق الأمر باتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، مضيفًا: "ربما يكون هذا أفضل سيناريو، لكن المملكة المتحدة في نظر الولايات المتحدة شريك مختلف قليلًا".
معضلة الاختيار
كشفت مصادر دبلوماسية لـ"بوليتيكو" أن السؤال الذي يواجه قادة الاتحاد الأوروبي، هو ما إذا كانوا سيذهبون لاتفاق سريع في الأسبوعين المقبلين أم ينتظرون اتفاقًا أفضل، حتى لو كان ذلك يعني حربًا تجارية طويلة مع الولايات المتحدة.
وحذرت المصادر من أن المخاطرة في هذه الحالة ستكون أن ترامب قد يعيد النظر في التزاماته تجاه الدفاع الأوروبي، متسائلًا: "لماذا يجب على الأمريكيين دفع تكاليف حماية دول تحاربهم في التجارة؟"
المستشار الألماني فريدريش ميرز كان الصوت الأقوى المؤيد لاتفاق سريع، حتى لو كان مجرد مخطط تمهيدي، قائلًا: "لدينا الآن أقل من أسبوعين حتى 9 يوليو، ولا يمكن الاتفاق على اتفاق تجاري معقد".
وأضاف أن الصناعات من الكيماويات إلى الصلب وصناعة السيارات تعاني بالفعل؛ مما يضع الشركات في خطر، مناشدًا: "من فضلكم، دعونا نجد حلًا بسرعة".