السينما فى حياتى
شكلت السينما فى حياتى ركنًا هامًّا من ثقافتى والترفيه عنى ومعرفتى بمصر وبالعالم، وبمرور الوقت تم الاعتراف بأن السينما هى أحد عناصر الثقافة الإنسانية التى لُقّبت بالفن السابع. منذ طفولتى وأنا أسمع من أمى وهى تتحدث عن شبابها كفتاة من أسرة قاهرية متوسطة وعن ذهابها إلى السينما لمشاهدة الأفلام الحديثة، وكانت دائمًا تحكى عن فيلم الوردة البيضاء الذى سحرها، وتتحدث عن عبدالوهاب والمخرج محمد كريم بإعجاب شديد.
وعندما كان عمرى ١٢ عامًا كنت أعرف أن أمى وأبى سوف يخرجان فى المساء لمشاهدة فيلم فى السينما، وكان الذهاب إلى السينما يستلزم ارتداء أزياء رسمية، فأبى كان يلبس بدلة كاملة وكرافتة، وأمى ترتدى فستانًا «شيك» وجزمة وشنطة لون الفستان. أما نحن كأطفال فكنا من عمر ٨ سنوات وحتى ١٢ سنة نذهب يوم الجمعة ١٠ صباحًا لحضور برنامج الأطفال فى سينما مترو، وهو عبارة عن أفلام ميكى ماوس وكافة أنواع الكرتون الأمريكانى، وبعد ٩٠ دقيقة نخرج لنواجَّه ببائعى غزل البنات فنشتريه ثم نعود إلى البيت سعداء. وبدأ ذهابى إلى السينما منفردًا وعمرى ١٥ عاماً، وكنت فى نهاية الدراسة الثانوية، وكان ذهاب السينما له طقوس. كنا نسكن فى وسط البلد، وكنت ألتقى مع أصدقائى لنمشى إلى سينما مترو، وعند الوصول نشترى ٢ سندويتش من محل اسمه روى أمام سينما مترو ثم ندخل السينما وكانت تذكرة الصالة ١١ قرشًا والبلكون ١٥ قرشًا، وكانت الأفلام التى نشاهدها فقط «أفلام أمريكانى» وكنا نعرف أسماء الممثلين وأخبارهم من المجلات المصرية. أما فى الصيف، فكنا نذهب إلى السينمات الصيفى وكانت كثيرة ومعظمها يعرض ثلاثة أفلام فى برنامج واحد، وكان هناك فيلمان من الثلاثة أفلام مصرية، وكانت تبدأ بعد الغروب وتعرض الأفلام الثلاثة متصلة ثم تعرض الفيلم الأول مرة أخرى.
فى وسط البلد كان هناك عدد من السينمات وفى فترة لاحقة كنت أذهب مع أصدقائى أو إخوتى وأقاربى إلى سينمات المنيل، وكانت ٤ سينمات صيفية. الذهاب إلى السينما كان خروجة محترمة تشاهد الفيلم على شاشة كبيرة فى هدوء وتركيز، الآن الناس تشاهد الأفلام فى التليفزيون وهى جالسة على الكنبة أو نائمة فى السرير وتتكلم فى التليفون وممكن أن تأكل أو تشرب وتتخانق كمان والفيلم شغال، وفى ناس بتشوف فيلم طويل على التليفون. المتعة مختلفة تمامًا والمزاج والانبساط حاجة تانية. مازلت أذهب إلى السينما لمشاهدة الفيلم.
كنت أذهب فى إجازة الصيف لزيارة جدى فى شبين الكوم، وكان هناك اثنتان من دور السينما، وكان الساحل الطيب به عدة دور سينما صيفى، وكذلك فى الأحياء المختلفة، أغلقت الآن معظم السينمات الصيفى وأغلقت معظم دور السينما فى الأقاليم ودور السينما فى الأحياء المختلفة وأقيمت مكانها مولات ومطاعم. وأثر ذلك على اقتصاديات السينما المصرية، بحيث أصبح إيراد الأفلام يأتى من الفضائيات ومن الموزعين العرب، وضعف موقف المنتج المصرى.
السينما المصرية كانت ثالث دولة منتجة للأفلام بعد أمريكا والهند فى أربعينيات والنصف الأول من خمسينيات القرن الماضى، وكانت هى المسيطرة بالكامل على السوق العربية من المحيط إلى الخليج وانتشار السينما المصرية هو الذى نشر اللهجة المصرية فى كل مكان.
مع نمو صناعة السينما تطورت استوديوهات التصوير السينمائى وأنشأ طلعت حرب استوديو مصر فى الثلاثينيات، وأنشأ القطاع الخاص عددًا ضخمًا وكان التصوير فى الشارع وفى الأماكن الأثرية والشواطئ سهلًا وبسيطًا وغير مكلف، وأصبح الآن صعبًا ومكلفًا ويحتاج إلى إجراءات أمنية كثيفة، مما أدى إلى توقف الأفلام العالمية عن التصوير فى مصر حتى فى الأفلام التى تدور أحداثها فى مصر، آخرها المسلسل الإنجليزى الأشهر The Crown الذى صور مناظر مصر فى المغرب. ومع القوانين التى صدرت عام ١٩٦١ بتأميم معظم الشركات الكبرى والمتوسطة وبعض الصغرى ومنها الشركات السينمائية، أصبح القطاع العام مسيطرًا على الإنتاج فى مصر، وبالتأكيد انخفض عدد الأفلام، ولكن كان هناك عدد من كبار الفنانين والكتاب الذى جعل السينما تنتج أفلامًا جيدة. ولكن بمرور الوقت انخفض عدد الأفلام. وفى عصر الانفتاح عاد القطاع الخاص بقوة وانتشر ما يسمى بأفلام المقاولات التى تبغى الربح السريع بتكلفة بسيطة وتصنع أفلامًا تدغدغ مشاعر الجماهير، وحتى أفلام الكوميديا التى أنتجت فى الأربعينيات لم يستطيعوا إنتاج مثلها.
مع تقدم الوقت ظهرت طبقة جديدة متعلمة ومثقفة وموهوبة من المخرجين وكتاب السيناريو، وظهرت السينما المستقلة منخفضة التكاليف، وارتفع مستوى عدد كبير من أفلام السينما وساندها نجوم كبار ومخرجون عظام. فى هذه الفترة أنشئت نوادى السينما المصرية وكان أهمها وأشهرها النادى الذى أشرف عليه الراحل مصطفى درويش، وأنشأت فى النوادى الرياضية وبعض الجامعات نوادى سينما عرضت فيها أفلام أجنبية ومصرية متميزة، وتعلمنا وتثقفنا وفهمنا الكثير من اشتراكنا فى هذه النوادى التى كانت زهيدة التكاليف ورفيعة المستوى. فى هذه الفترة نشطت فكرة التقدم للمهرجانات العالمية للسينما، ولكن النجاحات المصرية كانت محدودة ولكن قبلت بعض الأفلام فى العروض.
الرقابة على السينما فى مصر موجودة منذ زمن بعيد، وكان التركيز على الموضوعات السياسية، أو ما اعتبر سينما إباحية. وفى أوقات مختلفة حسب الوضع السياسى والمناخ العام وشخصية الرقيب ومدى أهميته تم السماح بأفلام عظيمة، وفى أوقات أخرى تم منع عدد من الأفلام الجيدة. والحقيقة أن الرقابة على الأفلام أصبحت نكتة، لأن كل شيء الآن أصبح مباحًا فى الفضاء الإلكترونى والفضائيات ومحطات النتفليكس وغيرها، ومنع مشهد فيه قبلات حميمة أصبح لعب عيال أمام أفلام البورنو المتاحة على شبكات الإنترنت بكثافة. وكل الموضوعات السياسية أصبحت تشاهد على الأفلام، فيجب أن نساعد السينما المصرية ولا نغلق أمامها الأبواب.
فى السنوات الأخيرة أدى الاحتكار إلى تدهور مستوى السينما فى مصر، وكان للانفتاح الكبير للسينما فى السعودية تأثير ضخم يهدد بسحب الإنتاج والفنيين من مصر لتنهار صناعة لها تاريخ.
الفن يحتاج إلى الحرية والمنافسة وينهار إذا سيطر الاحتكار. نريد جميعًا للسينما المصرية النجاح والتقدم وعندنا من الكوادر على جميع المستويات ما يمكنه صناعة سينما عالمية ولكنه يحتاج إلى حرية ومنافسة حقيقية وتفهم لأهمية دور الفن.
«قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك»
* عن المصري اليوم..