«الحق معنا.. والأرض معهم»
«ما هو الوطن؟»، ليس سؤالاً تجيب عنه وتمضى، بل إنه يمثل حياتك وقضيتك معاً. إنها الروح التى تتجلى فى حبك للوطن ورغبتك فى استعادة الحقوق والأرض. فالوطن ليس مجرد قطعة أرض، بل هو تلاقى الأرض والحق معاً. «الحق معك، والأرض معهم» (محمود درويش).
لقد لخص الشاعر الفلسطينى محمود درويش مأساة الفلسطينيين وصراعهم من أجل البقاء والحفاظ على أرضهم وكرامتهم، حين كان للكلمة قيمة ومعنى، وللقصيدة صدى. هل تغير الزمن؟ بالقطع نعم! هل تبدلت الأولويات؟ إنه سؤال المرحلة، والإجابة المحرجة، التى ستضع قواعد المحاسبة والمساءلة التاريخية فيما بعد، لكل هذا الوجع والأنين، واللا إنسانية التى يعامل بها الفلسطينيون. «الحق معنا والأرض معهم»، كيف ستتساوى هذه المعادلة المصيرية المستعصية؟ التى أصبح يغض النظر عنها حتى ذوو القربى، فما بالنا بالعالم المنحاز المضلل الذى لا يعترف إلا بمنطق القوة، ومساندة الاحتلال، والمعايير المزدوجة، والكيل بمكيالين، حتى حين يتعلق الأمر بالإنسانية، انظروا كيف تعامل وتعاطف مع أوكرانيا وشعبها، متباكياً على تشريدهم وتهجيرهم من أرضهم، واحتضنتهم دول أوروبا وقدمت لهم الغالى والنفيس، لأنهم ضحايا فاشية الاحتلال الذى غزا أرضهم! فماذا عن الفلسطينيين؟! ألم تغتصب أرضهم منذ نحو خمسة وسبعين عاماً ومن حقهم الدفاع عن وطنهم الذى سُلب منهم، والتصدى والمقاومة لاسترداد حقوقهم؟
سياسة الأرض المحروقة تطبق على قطاع غزة بلا هوادة منذ أكثر من 10 أيام، والعالم يقف متفرجاً، لا يحرك ساكناً، عندما يكون الأمر متعلقاً بإسرائيل، الجميع يصمت وتزور الحقائق ويتشبع الفضاء الإلكترونى الغربى بالأكاذيب والصور الملفقة والروايات المضللة العارية من الصحة، إنها غطرسة القوة وقانون البقاء للأقوى. جو بايدن، رئيس أكبر دولة فى العالم، يخرج بتصريحات كاذبة، ينعى فيها ما حدث لأطفال إسرائيل أثناء هجوم المقاومة على مستوطنات الاحتلال الغاصب، دون أن يتحقق، وللإنصاف هو لا يريد أن يعرف سوى رواية واحدة يبثها الإعلام الإسرائيلى، ويصدرها للعالم، وانبرى من بعده القطيع الغربى، مردداً نفس الرواية: «الإرهاب الفلسطينى يقتل الأطفال والمواطنين الآمنين، ويأسر النساء، ويمثل بالجثث». حالة من السعار فى الإعلام الغربى الذى يردد رواية الاحتلال كالببغاء دون تأكيد أو تحقق، وحين انكشفت أكاذيب الاحتلال، التى انتشرت كالنار فى الهشيم، يرفضون تكذيبها رغم جلاء الحقيقة، وكأنهم لا يريدون أن يصدقوا إلا ما تقوله إسرائيل، فكانت النتيجة حالة غير مسبوقة من التحريض ضد كل ما هو فلسطينى، وتزييف للوعى فى إعلامهم، ودعم ومؤازرة وتأييد لرواية الاحتلال، وشحذ مواطنيهم بنشر الأكاذيب للانتقام. وقد جاء الحصاد سريعاً، بقتل طفل فلسطينى عمره لا يتجاوز 6 سنوات فى ولاية شيكاغو الأمريكية، تلقى 26 طعنة سكين من رجل سبعينى دون رحمة، ومن ثم والدته التى نجت بأعجوبة، على يد رجل سبعينى يحمل وجهه كل ملامح الغل والشهوة فى الانتقام. فمن كان السبب؟! ألم يكن هذا نتيجة تحريض رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دون تردد ضد الفلسطينيين، ونعتهم بالإرهابيين الذين يقتلون الأطفال، وعندما عاد دون خجل ليعلق على جريمة القتل البشعة بأنها «جريمة كراهية»، لم يقف ليحاسب نفسه أولاً، أو يعتذر عما بدر منه من تصريحات غير مسئولة دون أن يتحقق من صحة المعلومات التى يمده بها مساعدوه، وهو يمثل رئيس أكبر دولة فى العالم.
سأعود إلى السؤال الذى لا ينبغى أن نجيب عنه ونمضى: «ما هو الوطن؟»، إنه الأرض والعرض والحق فى الحياة. من حق الفلسطينيين أن يكون لهم وطن، ومن حقهم الدفاع عنه، وعن حريتهم فى العيش فيه بأمان، هكذا بهذه البساطة، بعيداً عن التجاذبات السياسية المعقدة، والحسابات الكامنة فى ضمير العالم المريض بعقدة الذنب تجاه اليهود! فهل الفلسطينيون هم المسئولون عما حدث لليهود من قتل وتنكيل فى أوروبا؟ لماذا ندفع نحن ثمن هذا الجرم؟ ولماذا نحرم من أبسط حقوقنا؟ بل إن المشهد يتكرر بـ«هولوكوست» جديد ضد الفلسطينيين على يد إسرائيل، وهذه المرة يشارك فيه العالم كله، بالصمت المريب على ارتكاب المجازر ضد المواطنين العزل؛ أطفال ونساء وشيوخ، تهدم البيوت على رؤوسهم، تقصف المستشفيات، وتدك الأحياء بالصواريخ والقنابل الفسفورية المجرمة دولياً، ودون توقف، تمنع عنهم الإمدادات والمساعدات الإغاثية، يقطع عنهم الماء والكهرباء والوقود والغذاء، فى مخالفة صارخة لكل أعراف الحرب والمواثيق الأممية التى تقرها الشرعية الدولية فى أوقات الحروب! العالم يشاهد الإبادة الجماعية وينتظر! فماذا ينتظر؟ لو تحدثت عن التفاصيل الإنسانية الموجعة والمأساوية التى تحدث فى قطاع غزة كل دقيقة، وكل ساعة، فلن تكفى كتب لنشرها، المئات يقتلون كل يوم من المدنيين العزل وأغلبهم من الأطفال والنساء، تهدم البيوت على رؤوسهم لا يعلمون من عليه الدور؟ ولا يجدون من يخرج الأحياء من تحت الأنقاض، من مات، فقد استراح، ومن بقى فربما كتبت له النجاة لحياة أخرى، يوثق مأساة ما عايشه فى رحلة الموت، وما رسخ فى ذاكرته من مشاهد دامية، لن تنسى مهما مر عليها الزمن، والنتيجة أنه سينهض من حيث سقط، ينفض عنه غبار الخوف والظلم والقهر، ليستأنف المسيرة وهو أكثر إصراراً على الاستمرار فى المقاومة والانتقام.
المقال / جيهان فوزى
الوطن