الصورة الحلوة
هناك صور تحفر لها أماكن مميزة متقدمة ثابتة فى ذاكرة صاحبها، صور لا تنسى ولا تمحى، بل تصاحبها عند تصفحها مؤثرات صوتية وحسية كلما وصل الشخص منا إليها فى ألبوم ذكرياته فيعيش معها اللحظات النادرة بكل ما احتوته من مشاعر وطقوس وبصور الذين شاركوه تلك الأوقات بألوانها الطبيعية والعطور التى كانت تحيط أجسادهم والأصوات التى سجلت لهم ما دار وما حدث.
ومن المعتاد أنه عندما تتحدث الصور وتعلن الأخبار السعيدة وتذكرنا باللحظات النادرة المبهجة التى تسجل الانتصارات والأفراح نبحث عن طرق لحفظها وخلودها والتى تطورت وتغيرت مع الأيام ودخولنا عصر التكنولوجيا والإنترنت والذكاء الصناعى.
وفى علم النفس تقول النظريات إن مثل تلك اللقطات هى التى تكوّن ذاكرتنا الذهبية، وإذا كان المصرى القديم سجل حياته بالكامل على جدران المعابد والأهرامات ليترك لنا حضارة وتاريخاً نفخر به ونعيش بعزته وجماله وفخامة طقوسه حتى الآن، فقد استطاع عمالقة التاريخ المصرى الحديث وقادته أن يسجلوا أعظم لحظات عاشتها مصر فى عام ١٩٧٣ بأربع صور تحكى ملحمة الانتصار، وبطبيعة الحال هناك آلاف الصور لتلك الملحمة إلا أن ما اخترناه منها هى القصة كاملة دون نقصان. تقول الصورة الأولى إن أبطالها درسوا علم شكل الأرض والمعروف بالطبوغرافيا والذى يبحث فى توضيح ورسم الأراضى الطبيعية حيث تلعب طبيعة الأرض دوراً مهماً فى المعارك الحربية وتتطلب المعارك البرية وحفر الخنادق والحصول على المياه الباطنية معرفة جيولوجية وذلك لوضع خطط الهجوم للتعرف على تضاريس أرض المعركة وشاركوا فى العديد من المناورات العسكرية على مستوى العالم وذلك لدراسة مدى النتائج التى سيحصلون عليها، تضم الصورة الأولى التى ما زالت تتصدر جميع اللقاءات والندوات حول نصر أكتوبر ١٩٧٣ كما تتصدر مبنى بانوراما حرب أكتوبر الذى سجل تلك اللحظات بلوحات مجسمة تتحدث عن نفسها، الطاولة الرئيسية العلوية المخصصة لجلوس القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية محمد أنور السادات، ثبت عليها الخريطة المرسومة لتضاريس مصر والملونة بمواقع قواتها ومناطقها السكنية والبحار، وإلى يمينه الفريق أول أحمد إسماعيل، القائد العام للقوات المسلحة والقائد العام للجبهات المصرية والسورية والأردنية، والفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، واللواء محمد عبدالغنى الجمسى، رئيس هيئة العمليات، واللواء بحرى فؤاد ذكرى، قائد القوات البحرية، واللواء طيار محمد حسنى مبارك، قائد القوات الجوية، واللواء محمد على فهمى، قائد قوات الدفاع الجوى، واللواء كمال حسن على، مدير سلاح المدرعات، واللواء محمد سعيد الماحى، مدير سلاح المدفعية، واللواء إبراهيم نصار، مدير سلاح المهندسين العسكريين، واللواء محمد عبدالمنعم الوكيل، مدير سلاح المشاة، واللواء نبيل شكرى، قائد قوات الصاعقة، وعميد محمود عبدالله، قائد قوات المظلات (وجميعهم بالرتب التى كانوا يحملونها عام ١٩٧٣).
الصورة الثانية هى صورة الجندى محمد العباسى أول من رفع العلم المصرى على خط بارليف، وكانت هذه النقطة هى أول منطقة مصرية يتم تحريرها من الاحتلال الإسرائيلى ورفع العلم المصرى عليها بعد تمزيق العلم الإسرائيلى.
الصورة الثالثة هى صورة لحظة النصر للمجند عبدالرحمن القاضى الذى ظهر فيها وهو رافع سلاحه مبتهج بالنصر، وتناقلتها جميع صحف العالم. أما الرابعة فهى صورة الأسرى الإسرائيليين جالسين أرضاً فى طابور طويل، وهى الصورة التى ما زالت محفورة فى ذاكرة وقلوب المصريين.
هذه هى حكاية الصورة الحلوة التى لن ننساها حتى بعد مرور ٥٠ عاماً على نصر أكتوبر.
المقال / خديجة حمودة
الوطن