جيل «ميادة»
تعاطف كثيرون مع المطربة السورية الكبيرة ميادة الحناوي (64 عاماً)، حين اختل توازنها وهي تصعد المسرح للغناء، خلال حفلها الأخير بمدينة "جدة" بالمملكة العربية السعودية، فعلى مدار عقود طويلة مثلت "ميادة" المطربة المفضلة لدى أبناء جيلها، خصوصاً من مواليد الخمسينات والستينات.
تسلل صوت ميادة عذباً حنوناً إلى هذا الجيل عبر شريط الكاسيت، في زمان كان هذا الشريط الصغير يمثل حاضنة لكل جميل غير متاح عبر الراديو والتليفزيون.
تساءل الكثيرون، حين سمعوا ألبوم: "الحب اللي كان"، عن صاحبة هذا الصوت الدافىء والإحساس المعبر، ورغم الاختلاف في خامة الصوت وأسلوب الأداء، ظنها البعض وردة الجزائرية، وقد بان هذا الاختلاف بمرور الوقت، وأصبحت ميادة المطربة المفضلة لدى جيلها، ذلك الجيل الذي لحق بالعظيمة أم كلثوم في سنواتها الأخيرة، وبعيد الحليم وفريد خلال سنوات الازدهار.
انطلق شباب الثمانينات يدندنون بـ"الحب اللي كان"، و"أنا أعمل ايه"، و"فاتت سنة"، و"نعمة النسيان"، و"أول ما شفتك"، و"أنا بعشقك"، و"حكاية حب"، و"اسمع عتابي"، و"ساعة زمن"، وغيرها وغيرها.
لمست المعاني التي شدت بها "ميادة" أحاسيسهم، وأثارت نغماتها أشجانهم، خصوصاً بعد أن أصبحت هذه المطربة الملاذ الآمن لكبار الملحنين الذي وجدوا في صوتها طاقة قادرة على استيعاب إبداعهم، رياض السنباطي، وعبد الوهاب، وبليغ حمدي، ومحمد الموجي، وسيد مكاوي، ومحمد سلطان، هؤلاء جميعاً لحنوا لها العديد من الأغنيات، التي لا تزال راسخة في وجدان من سمعها.
جماهيرية كبيرة حظت بها "ميادة"، خلال فترة الثمانيات، وقبل أن تغني رسمياً في مصر، بعد أنحلت مشاكلها مع الغاضبين عليها، فخلال هذه الحقبة كان يتردد أنها ممنوعة من الغناء في مصر، بقرار غير معلن من بعض الشخصيات المتنفذة، لكن الساحر الصغير المسمى بشريط الكاسيت استطاع أن يصل بصوتها إلى كل مكان داخل القاهرة (عاصمة الفن العربي).
حاولت "ميادة" تجديد نفسها وفنها، بعد رحيل جيل الكبار، الذين صنعوا نجوميتها على أنغامهم، استجاب البعض للون الجديد الذي اتجهت إليه، لكن غالبية من كان يبحث عن الطرب الأصيل بدأ ينسحب من عالمها بعض الشىء.
التطوير مطلوب ولا شك، بشرط أن يكون تطويراً حقيقياً، وليس مجرد انغماس في موجة سائدة، ولعلك تلاحظ أن الطلب على أغاني الطرب التي غنتها ميادة قائماً حتى اللحظة ما زال قائماً، يظهر ذلك، فيما تستعيده من تراثها خلال حفلاتها الأخيرة، وأغلبها أغنيات تعتمد على الطرب، بكلمات وألحان الكبار، ممن رحلوا عن عالمنا.
كثيرون شعروا بالأسى، حين تعثرت ميادة الحناوي في حفلتها الأخيرة، وهي ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها لذلك، لكنني معجب بتماسكها، وإصرارها على القفز على ضعفها، ومقاومة السنين.
فما زالت "ميادة" بالنسبة لمستمعيها الصوت الذي يحمل ذكريات رومانسيتهم، وخفقات قلب الشباب، ومشاعر الحب التي كانت تهدهد إحساسهم، طيلة الفترة التي تألق فيها صوت "ميادة"، ليحمل معه آخر نسمات الزمن الجميل التي تنفسها أفراد جيلها.
المقال / د محمود خليل
الوطن