الميتون بالحياة
كيف يتحول إنسان إلى "ميت بالحياة"؟ 5 خطوات أساسية تحدد طريق الوصول إلى هذه الحالة.أولى الخطوات تتمثل في تنازل الإنسان عن كرامته.
فالإنسان يولد في الحياة متمتعاً بكامل كرامته، تلك هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا".
القبول بالإهانة والإهدار يمثل الخطوة الأولى لتخلي الإنسان عن إنسانيته، وتحوله إلى كائن "ميت بالحياة".
وليس ثم من سبب يدعو الإنسان إلى تلمس أسباب الحياة بالذل إذا كان يحترم إنسانيته.الخطوة الثانية تحمل مفهوماً معاكساً لمفهوم التنازل عن الكرامة، ويتمثل في "التعالي"، بمعنى أن يظن إنسان أنه أقدر وأفهم وأعقل وأنبه وأحسن من الآخرين، فيدفعه ذلك إلى التعامل معهم باعتزاز مريض بالذات، والعزة لا تتحقق بما يملكه الإنسان من معطيات الحياة، أو بسيطرته عليها، بل بالتواضع لله تعالى، لأن العاقل يعلم أنه إنسان ضعيف، وأن عزته تتحقق بأن يجبر ضعف غيره، ليجد من يجبر ضعفه: "ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا".
التعالي يميت الإنسان بالحياة، بل يقتل الحياة نفسها.الخطوة الثالثة تتمثل في الظلم. انتشار الظلم والمظالم داخل مجتمع معين يؤدي إلى إفساد الحياة، وتشويه وجهها، وتحول البشر إلى آلات استنزاف لبعضهم البعض، بما يؤدي إلى إرهاق الجميع، وكل إرهاق يعانيه الإنسان على مستوى حاجاته الإنسانية الأساسية يقربه إلى منصة "الموت بالحياة"، لأن الإرهاق يقتل النفس بيد صاحبها: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون".
وتحمل الخطوة الرابعة المفهوم العكسي لنشر الظلم، وتتمثل في الرضاء به. التغاضي عن وجود الظلم في واقع معين، وعدم التفات الفرد إلى الظلم الذي يقع على غيره، والتفكير "الجحوي" -نسبة إلى عم جحا- الذي يرتكز على فكرة أنه ما دام الظلم بعيداً عن داري فلا بأس، يضعنا أيضاً أمام إنسان ميت بالحياة.
فالظلم الذي يتغاضى الإنسان عنه لأنه يحيق بغيره، لابد أن تأتي لحظة يمتد إليه فيها.
والله تعالى يقول: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب".الخطوة الخامسة تتمثل في تحييد مبدأ "التدافع" في الحياة، والتدافع في الحياة لا يعني الصراع بين الأفراد، قدر ما يعني السعي والكفاح من أجل تحسين شروط الحياة، وذلك عن طريق التحريك المستمر لمعطياتها وأدواتها، وعدم الركون إلى فكرة الاستقرار القائم على "الركود"، وبقاء كل شىء على ما هو عليه حتى ولو كان ضاراً أو غير مفيد، والإيمان بأن الحياة الحقيقية ترتكز على فكرة التغير والتغيير، وأن الظهور والاختفاء هو القانون الأساسي الذي يحكم حركة الإنسان على مسرح الحياة، التي لا يدوم فيه شخص أو شىء: "كل يوم هو في شأن".
الركود سمة من سمات الموتى، أما التقلب والتغير والتحول فيمثل السمة الأهم لاستشعار الحياة.
المقال / د محمود خليل
الوطن