عندما تُحرج إسرائيل الدول العربية
المشاهد المأساوية التى تداولتها وسائل الإعلام للسيدة نورا صب لبن وطرد عائلتها الفلسطينية من منزلها فى القدس، الذى عاشت فيه لأكثر من سبعين عاماً، هى مشاهد تمزق القلوب، وتنكأ جراحاً تغافلنا عنها لأسباب عديدة، جعلت الاهتمام بالقضية الفلسطينية يتراجع على الأرض ويتوارى خلف اهتمام معظم الدول العربية بقضاياها الداخلية، السيدة نورا يبلغ عمرها ثمانية وستين عاماً، وزوجها مصطفى صب لبن قد تجاوز السبعين عاماً، ويقيمان مع عائلتهما فى هذا المنزل منذ عام ١٩٥٣، وهو يقع فى البلدة القديمة بالقدس المحتلة.
قامت قوات الاحتلال بطرد العائلة، وسلّمت المنزل لمستوطنين إسرائيليين، كما منعت المتضامنين مع العائلة المقهورة من الوصول إلى المنزل، بل اعتقلت خمسة منهم، واعتدت عليهم بالضرب، بينما السيدة نورا ترفع يديها للسماء بكلمات تشكو فيها إلى الله وتحتسب عنده ما تتعرض له هى وأسرتها من جبروت، وبيقين المظلوم تتضرع أن الله سيعيد فلسطين عربية والقدس والبيوت والتراب سيظل فلسطينياً.
كالمعتاد أصدرت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بياناً أدانت فيه استيلاء المستوطنين على البيت فى حماية قوات الاحتلال، ودعت المجتمع الدولى للتدخل فوراً، كما دعت الأمم المتحدة إلى التحرك لإيجاد آلية توفر حماية للشعب الفلسطينى وممتلكاته ومقدساته، وأصدر الاتحاد الأوروبى هو الآخر بياناً يدين الواقعة مبدياً أسفه بقرار السلطات الإسرائيلية إخلاء البيت الذى تقطنه الأسرة منذ عام ١٩٥٣ (إثر أمر قضائى)، المدهش أن السفارة البريطانية لدى إسرائيل عبرت عن صدمتها وأكدت أن مثل هذه الإجراءات تتسبب فى معاناة لا داعى لها لعائلة عانت بالفعل من معركة قانونية استمرت ٤٥ عاماً!
إذاً كل المؤسسات الدولية الكبرى فى العالم أعلنت أسفها ورفضها لما حدث، بما فى ذلك السفارة البريطانية الممثلة للدولة صانعة إسرائيل وصاحبة الفضل فى وجودها، فماذا بقى إذاً؟ لقد أدى العالم واجبه كاملاً بما فى ذلك جامعة الدول العربية فى الشجب والإدانة، ثم مضى كل إلى إكمال روتينه اليومى، بينما يظل شعب كامل منذ ما يتجاوز السبعين عاماً فى نكبة لا يجد من يغيثه وينتشله من تلك المأساة، فالكل يؤدى ما عليه ويشجب ويدين!
مع الأسف أن عائلة صف لبن ليست هى الوحيدة، فهناك عشر عائلات أخرى تختصمها سلطة الاحتلال من أجل إخلاء منازلها فى القدس القديمة للاستيلاء على هذه المنازل، وطمس هوية مدينة القدس تماماً، إضافة إلى ما يمارسه المحتل الإسرائيلى من جرائم فى المسجد الأقصى وباقى المدينة المقدسة، بل وبقية المدن الفلسطينية، يعد دليلاً قاطعاً على نية إسرائيل فى التمادى فى صلفها والابتعاد عن أى توجه سبق وأبدته حكوماتها على مدى عقود سابقة تؤكد فيه توجهها نحو السلام وخلق علاقات جديدة وطبيعية مع جيرانها من الدول العربية، بل إن ما يصدر عن حكومة الاحتلال الإسرائيلى يضع كل الحكومات العربية التى أبدت استعدادها لإقامة سلام مع إسرائيل فى حرج شديد أمام شعوبها التى تدرك جيداً أن فلسطين ستظل هى الحائل الدائم دون إقامة سلام حقيقى، لا يمكن تحقيقه مع هذه السياسات الإجرامية من الحكومة الإسرائيلية.
المقال / اميرة خواسك
الوطن