"وفاء صادق" أنا حرة
لأن بيننا مَن نصّبوا أنفسهم «وكلاء الله على الأرض»، واحتكروا توزيع «صكوك الغفران» كيفما تشاء أهواؤهم أو تقتضى مصالحهم، أصبح تنظيم «داعش» الذى يقتل الأبرياء ويسبى النساء ويهدم الأوطان هو رمز الإسلام، والواجهة المتطرفة التى نقدمها للعالم، لأنه لم يجد مَن يخرج ليكفّره، بينما احترف البعض تكفير الأقباط والمفكرين والمبدعين والفنانين!. أصبح بعض المشايخ يحملون سيوفاً مسمومة، لتُطيّر أعناق مَن خدموا الإنسانية، واحترفوا وصم الآخرين بالكفر والزندقة، ورفعوا أنفسهم إلى مصاف «أنصاف الآلهة».. ليقرر بعضهم (مَن يدخل الجنة ومَن يدخل النار).. مَن يُقتل لأنهم قرروا أنه مرتد أو تارك للصلاة، ومن يستباح شرفه وعرضه لأنه فنان أو لأن ابنته أو زوجته غير محجّبة!.ولا شك أن للفن نصيب الأسد فى عملية التحريم والتأثيم التى تستهدف بالأساس «قوتنا الناعمة»، وسبق أن كان المجال الفنى ساحة للتكفير وجرجرة الفنانين إلى المحاكم، تماماً كما كان مساحة لنشر الحجاب بعملية تحجيب الفنانات التى ارتبطت بتحريم المهنة (وليس تأثيم السلوك البشرى وهو مسئولية فردية).. وانتقلت حالة التحريم من الشيوخ إلى الفنانات المعتزلات اللاتى اشتغلن داعيات!.. وأخيراً وصلت إلى جمهور السوشيال ميديا وهم بالملايين لكن أى واحد منهم يعطى لنفسه الحق فى تكفير الآخر و«الفَتْى» فى الدين والعلم والطب دون أى مؤهلات علمية أو فكرية والأدهى والأمر أنه يمارس «الوصاية الأخلاقية» على الجميع!!.فإن أفلتّ من الوصاية الدينية وأثبت أنه حلال لن تفلت من كلمة «عيب» وهو كلمة مطاطة تقر توافه الأمور وقد تضيع أهمها.. المهم ببساطة وتلقائية نشرت الفنانة «وفاء صادق» صورة لها وهى توقد الشموع داخل كنيسة المركز الكاثوليكى للسينما.. فانهالت عليها الشتائم من حراس الفضيلة، الذين لم تصل إلى قلوبهم رمزية الصورة ودلالتها وهى نشر المحبة والتسامح، وهم بالمناسبة لجان إلكترونية ممنهجة على هذا الفكر، بالإضافة إلى آلاف الشباب المُضلل الذى لم يصله إلا التطرف والتنطع فى الدين.لم تصمت «وفاء» ولم تبكِ أو تختبئ أو تعتذر عن صورة يجب أن تفخر بها، بل كتبت منشوراً حاسماً لهذا اللغط جاء فيه: (بوست توضيحى.. أنا ست حرة على كل المستويات.. محدش له عندى أى حاجة.. مسلمة وموحدة بالله.. وبحب ربنا وعلاقتى بيه تخصنى. مؤمنة بكل الأديان وبحب ستنا مريم قوى.. خير نساء العالم.. أروح الجامع.. أروح الكنيسة.. أروح المعبد.. أنا حرة.. وأى حاجة حلوة أو وحشة.. صح أو غلط بعملها فى النور.. ربنا بس اللى ممكن يحاسبنى.. أنا مش بتدارى ولا بخاف من حد على وش الأرض.. فبلاش الوعظ والرسايل الخاصة، الشاطرين قوى اللى معاهم مفتاح الجنة، يظهروا للناس مش على الخاص، الرسالة وصلت ولا لسّه).هذا الموقف «الطبيعى والعادى»، والذى لا بد أن نعتبره شجاعاً وجريئاً، هو الذى يجب أن يسود تعاملنا على السوشيال ميديا، ففى مواجهة مَن يدس أنفه تحت جلدنا وينصب نفسه وصياً على ضمائرنا وأدياننا وأخلاقنا يجب أن نواجهه برد قاطع ليقف عند حده.. أنا لا أنكر على «وفاء» شجاعتها ولا كونها شبه وحيدة فى مواجهة موجات الجراد الكاسح.. بل أطلب من الجميع أن يكون مثلها.ما دمت مؤمناً بموقفك، تعرف قيمة حريتك، تحترم القانون والدستور فلا تسمح لمحاكم التفتيش بتعليق المشانق على السوشيال ميديا وتوقيع عقاب «اغتيال الشخصية» بغير ذنب.يعلم مَن يتابعنى على السوشيال ميديا أن لى صوراً مماثلة وأننى واجهت حروباً أشد ضراوة.. لكن هذا دورى كأى صاحب رأى، أما الفنان فعادة ما يغازل جمهوره ويطلب وده.. «وفاء» قدمت درساً فى أن احترام الجمهور للفنان هو أساس العلاقة الصحيحة بين الطرفين.