عبدالمجيد «أوف كورس»
لخبطة اللغة وما يتوازى معها من لخبطة التفكير، عملية بدأت منذ أواخر السبعينات، بالتزامن مع توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، وهى لم تقتصر على النخبة المسيطرة فقط، بل امتدت إلى الشعب نفسه، بحيث لم تعتق أحداً.
الجرى والتنافس على إلحاق الأولاد بالمدارس الدولية ومدارس اللغات (بشرائحها المختلفة) مثّل قاسماً مشتركاً بين أغلب فئات المجتمع، وصل الجرى إلى حد قبول أولياء الأمور الدخول فى اختبارات شخصية يخضعون لها، فإذا نجحوا فيها أُلحق أولادهم بالمدرسة، وإن لم ينجحوا ذهبوا هم وأولادهم يبحثون عن مدرسة أخرى، كل هذا حدث فى ظل شرائح مصروفات ملتهبة، كانت الأسر تحرم نفسها من حاجات أساسية كثيرة، حتى تستطيع الوفاء بها، ناهيك عن الفشخرة فى التجمّعات العائلية بالولد أو البنت الذى أو التى لا تعرف كيف تتكلم عربى، بسبب تعليمها الأجنبى!لا تجد مسلسلاً رصد هذا التحول بالإبداع الذى رصده به مسلسل «ذات»، عن رواية صنع الله إبراهيم، وإخراج الفنانة كاملة أبوذكرى والفنان خيرى بشارة.
تتبعت الأحداث غرام عبدالمجيد باللغة الإنجليزية، ومحاولة التحذلق بها على من حوله، وكانت عبارة «أوف كورس» أكثر ما يتردّد على لسانه، إلى حد أن أطلق عليه من حوله «عبدالمجيد أوف كورس».
عبّرت حالة «اللخبطة اللغوية» من جانب البشر العاديين عن حلم أو محاولة للصعود إلى مربع النخبة، وهو ما لم يكن يحدث بحال، لا لشىء إلا بسبب الكُلفة الكبيرة للدخول، إذ لم يكن يُسمح بدخول جدد إلى المربع، إلا من التركيبة نفسها التى استقرت عليها النخبة القائمة.
فمن هذا الذى يملك إلحاق أولاده بالمدارس الدولية؟ وإن استطاع فهل فى مكنته بعدها إلحاقهم بالجامعة الأمريكية بمصروفاتها الدولارية؟ وإن حالفه الحظ فهل فى مكنته تسفير ابنه إلى الخارج حتى يكتسب اللغة والإلمام بأدوات الشغلانات النخبوية؟ وهل إذا امتلك كل هذا بمقدوره أن يجد طريقاً للوصول إلى صفوف النخبة والانضمام إليها بسهولة؟
لم تكن مسألة الصعود سهلة، وكل ما حدث أن طبقة النخبة أعادت -وتعيد- إنتاج نفسها من خلال الأبناء أو شبكة الأهل والأقارب. وأى محاولات خارج هذا المربع لم تكن موفّقة فى الأغلب، بما فى ذلك الابن العبقرى لـ«عبدالمجيد أوف كورس»، الذى كان أبوه يصفه بالعبقرية، لأنه يتحدث الإنجليزية دون العربية.
أسهمت أدوات الثقافة والإعلام والتعليم خلال تلك الفترة فى خلق وعى اجتماعى زائف بقيمة من يرطنون، أو أهمية الرطانة، فما دام فلان ينطق بالإنجليزية فلا بد أنه بارع وخبير، ويفهم أكثر من الجميع، وعنده الحل لكل مشكلة، حتى لو كان محشواً هواء. تماماً مثل الحاج «عبدالتواب» فى مسرحية «طبيخ الملايكة»، حين عاتبته زوجته على تصديق نصاب أخذ ماله لتأسيس شركة لصيد القراميط من البحر المالح، وقالت له: حد يصدق إن القراميط تطلع من الميه المالحة.. رد عليها قائلاً: كان بيتكلم إنجليزى يا عيشة.. علقت عيشة: طب تبقى معذور يا خويه.
المقال / محمود خليل
الوطن