ما بعد الهدنة
بدت هدنة وقف إطلاق النار بين الجيش السودانى والدعم السريع التي وقعت مؤخرا في جدة الأكثر احتراما بين كل الهدن السابقة، رغم بعض الخروقات، وخاصة في دارفور التي بدت وكأنها لم تسمع عن الهدنة، في حين شهدنا خروج الناس في شوارع الخرطوم ومدن أخرى لقضاء حاجتهم، في محاولة للعودة لأوضاعهم الطبيعية.
والحقيقة أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين والسعوديين الذين رعوا الاتفاق أكدت على أنه تم احترامه نسبيا، خاصة في العاصمة، وأن وجود مراقبين لوقف إطلاق النار ربما سيفرض على طرفى النزاع قيودا أكبر قد تحول دون تجدد الاشتباكات.
والسؤال الذي يجب أن يطرح: ما الذي يجب أن يحدث في حال استمر وقف إطلاق النار؟.
من المهم إعطاء أولوية قصوى لحل إشكالية الانقسام بين القوات العسكرية وتحديدا بين الجيش والدعم السريع، والذى يرجع لعدم تعامل قادة المرحلة الانتقالية بالجدية المطلوبة مع مسألة ضعف مؤسسات الدولة وأخونة كثير منها وإضعاف بعضها الآخر، فحكم البشير لم يعترف باستقلال مؤسسات الدولة وحيادها تجاه الصراعات الحزبية، إنما أدخلها كطرف مباشر في الصراع السياسى، ولم يقبل بوجود سلطة قضائية وجيش وشرطة وجهاز إدارى مستقل عن حزبه الحاكم، إنما أجرى عملية تجريف وأخونة لكثير من هذه المؤسسات، ثم قرر في النهاية إنشاء قوات الدعم السريع التي حاربت في دارفور وارتكبت جرائم حرب، كما أدت إلى إضعاف الجيش وخلق تنافس بين الجانبين ظل مستمرا حتى الثورة، وتعمق بعدها طوال المرحلة الانتقالية حتى انفجر في وجه الجميع بمواجهات مسلحة.
والحقيقة أن المؤشرات ولو النسبية لنجاح هذه الهدنة تقول إن أي عودة لطاولة المفاوضات تتطلب التركيز على توحيد المؤسسة العسكرية، حتى لو كلف الأمر تصعيد قيادة جديدة محل القائدين الحاليين في الجيش والدعم السريع.
يقينا توحيد المؤسسة العسكرية سيعنى دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وهو دمج لن يكون سهلا ويحتاج للاستفادة من خبرات تاريخية في هذا المجال، بجانب استدعاء لمبدأ «التفاوض» كقيمة عليا تمسكت بها كل القوى السياسية والمؤسسة العسكرية عقب نجاح الثورة السودانية بصرف النظر عن الإخفاقات.
إن امتداد المرحلة الانتقالية لأربع سنوات، (كان مقررا في حال طبق الاتفاق الإطارى أن تمتد لعامين آخرين لتعيش البلاد في مرحلة انتقالية مدتها 6 سنوات) أدى إلى تجاهل توازنات القوى على الأرض وصراع السلطة في ظل غياب سلطة مركزية متوافق عليها أو منتخبة، وانتهى بالانقلاب على المسار السياسى برمته بمواجهات مسلحة بين الجيش والدعم السريع، وأصبح المطلوب تثبيت الهدنة عبر مراقبين دوليين، وضغط دولى حقيقى على طرقى النزاع؛ من أجل هدف وحيد هو العودة لطاولة المفاوضات؛ بغرض توحيد المؤسسة العسكرية، وإنهاء المرحلة الانتقالية، والتوافق على نظام سياسى جديد.
المقال / عمرو الشوبكى
المصرى اليوم