خالف تُعرف
يستحق الدكتور «أحمد كريمة» أن نتصدى له بالقلم كلما أفتى أو تكلم أو حتى تثاءب، أولاً لأنه يهدر القانون ويعصف بالدولة المدنية، وثانياً لأن مهمته الأولى (لاكتساب الشهرة فى السنوات الأخيرة) هى بلبلة الرأى العام وركوب الترند ولو بالسلب!.
هو باختصار يقدم للمسلم ديناً من اختراعه، فإذا ظهر الدكتور «أحمد الطيب»، شيخ الأزهر، وقال إن تعدد الزوجات (فيه ظلم للمرأة) يرفض رأى شيخ الأزهر فى هذا الشأن.. ويروج لضرب الزوجات (بالقلم الرصاص).. ويصبح فى حالة «سيولة فقهية» يتنقل من قناة لأخرى مؤكداً أن «تعدد الزوجات» ليس حقاً فحسب بل يكاد يصبح سنة أو يرقى لمرتبة الفرض!.
وإذا طالبت القيادة السياسية بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهى أقسم «كريمة» ألف يمين طلاق ألا تصدر الدولة القوانين التى تحافظ على المجتمع وتحفظ للأسر استقرارها!. ومن حرمة المومياوات إلى تحريم التبرع بالأعضاء كلما نضبت بضاعة «كريمة» أو ساحت عاد إلى دائرة: تحليل DNA «ليس دليلاً شرعياً لإثبات النسب».. وهو ما ردده مؤخراً على قناة «العربية»!.
الحقيقة أننى ناقشت أفكار كريمة كثيراً، وحاولت الرد عليها بآراء المستنيرين من رجال الدين وبرأى العلم ورأى المؤسسات الدينية الرسمية (الأزهر ودار الإفتاء).. اليوم أكتب عن حالة «إفلاس» تصيب بعض رجال الدين من مدمنى الشهرة وما تأتى به من ثروات، مع ملاحظة أننى متابعة جيدة لما يقدمه ولم أكن أود الكتابة عنه ثانية.
حين ادعى «أحمد كريمة» أن المرأة المصرية بعد إنجاب طفلين تنسى الأنوثة ويصبح عندها برود عاطفى، ونصحها أن تتعلم «الغندرة» من المرأة الشامية.. كان لا بد أن يُمنع من التحدث لكل وسائل الإعلام عربياً ومحلياً.. حالة الدكتور «أحمد كريمة» تفرض علينا مناقشة «اعتزال رجل الدين» ففى سن معينة يجب ألا يطرح الإنسان أفكاراً هدامة، فالشيخوخة تختلط بالنسيان وبداية الخرف وهذا يحدث لأى إنسان.. لقد حدد القانون للقضاة سن المعاش وهو ما يجب أن يطبق على رجال الدين والإعلام والصحافة وكل من يؤثر فى الرأى العام.. القاضى يحدد مصير إنسان ورجل الدين يحدد مصير ملايين البشر بفتوى.
استمعوا إلى «كريمة» وهو يتحدث عن ترشحه لجائزة «نوبل» التى لا يعلم عن شروط الترشح لها شيئاً ولا المجالات التى تُمنح فيها وستدركون أنه يعيش خارج السياق الزمنى.. إلا إذا كان يفترض أن نوبل للسلام قد أصبحت نوبل لـ«السلام عليكم».
آفة المجتمعات العربية - الإسلامية أنها تسمح لرجل الدين أن يفتى فى الطب والاقتصاد والسياسة والفن والكرة، ليس بصفته «مصدراً للتشريع» فحسب فهذه مقننة ومحسوبة، (يتدخل الأزهر عبر مناقشة البرلمان للقوانين)، لكن بالإضافة إلى التشريع الذى لم يأخذ حتى الآن بتحليل DNA كإثبات أصلى للنسب للآن ولا تزال المحاكم تطبق حديث الولد للفراش.. سوف تجد فوق رأس كل إنسان «شيخاً» يحرم عليه زوجته لأنه ألقى يمين الطلاق شفاهة ثلاث مرات أو يحلل للزوج «الاغتصاب الزوجى» رغم أنه مرفوض فى كل الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر باعتباره «عنفاً ضد المرأة».. المشايخ يحكمون المجتمع من الباطن، ولا أقصد رجال الأزهر أو الإفتاء فحسب فهناك (خطيب متطوع بالأوقاف مثلاً) لا تعرف أى شىء عن تعليمه ولا بيئته ولا حتى أهدافه من الوصول للمنبر!.
كل هذه القوة فى يد ناس (خارج السيطرة الأمنية)، احتلوا المجتمع باسم «الدفاع عن الدين»، والصراع ليس على الدين السماوى، الصراع على «الحكم ولو من الباطن» وبالتالى يصبح الاحتكام إلى حديث ضعيف فى قضية الحجاب لإضفاء التدين المظهرى على الناس ونشر «الرمز السياسى».. ويصبح «التكفير» سلاحاً ماضياً فى أيديهم: مَن ينشر التسامح وقبول المختلف، من ينتصر لحرية المرأة، من يكتب أو يعارض فتاواهم، من يبشر بالدين المعتدل الذى غاب، من يكفر «داعش» التى ترتكز فكرياً على أدبياتهم.. كل هؤلاء وغيرهم كفار دمهم مهدر وسُمعتهم فى الحضيض لأن أصحاب التوكيل الحصرى لدخول الجنة لم يرضوا عنهم، وللأسف فى أيديهم قانون ازدراء الأديان (المادة 89 من قانون العقوبات)!.
هل يجب أن نلجأ إلى الدين فى كل شعرة أو تفصيلة فى حياتنا؟.. نعم، لكن السؤال نلجأ لأى دين؟ هل للفقهاء الذين أباحوا زواج الطفلة (فى سن السادسة وأصغر)؟.. هل لدين التنمر بغير المحجبة والتحرش بها بزعم أنها «أسقطت رخصتها الشرعية للخروج من المنزل»؟.. قطعاً الدين كرم المرأة لكن البعض يحاول وأدها.
للأسف الوجوه القبيحة التى اختفت من وسائل الإعلام تربعت على عرش السوشيال ميديا، وهى الأكثر شعبية، هؤلاء من حولوا «النسوية» إلى رجس من عمل الشيطان لم نعد نريد هؤلاء ولا نريد من يدعى الوسطية ويقدم الفتاوى بالكريمة وهو أكثرهم إغراقاً فى «الجاهلية والتجهيل»!.
المقال / سحر الجعارة
الوطن