البابا والبابا

التسامح والقبول والإنسانية والتنوير لا ينبغى أن تكون مجرد كلمات يتم تداولها فى المناسبات السياسية والمحافل الدولية واللقاءات الوطنية. التسامح أسلوب حياة. والقبول- قبول الاختلاف الذى هو نعمة كبيرة وليس نقمة كما يحاول أن يصوره البعض من السفهاء والجهلاء والأغبياء لنا- جزء منه تنشئة، والجزء الآخر وعى واعتياد ورقى ورفعة ووقار وكل مفردات السمو.

 

والإنسانية هى المكون الرئيسى من مكونات حياة البشر- أو هكذا تفترض أن تكون- حيث يقوم الإنسان بما من شأنه أن يكون فيه الخير له وللبشرية، وليس لمَن يشبهونه فى الشكل أو اللون أو العرق أو المعتقد. أما التنوير، فمصدره «نور»، والنور عكسه ظلمة وسواد (العقل والقلب وليس اللون) وعتمة. إنه الحالة الذهنية والفكرية التى تجعل صاحبها ميّالًا ومُحِبًّا لإعمال العقل وليس تسليمه لآخرين، وللعلم وليس للجهل أو القيل والقال حتى لو كان قيلًا تاريخيًّا أو قال نقلًا عن أب وجد وجد الجدود.

 

 

وما أحوجنا فى هذا الوقت الذى نرى فيه العالم فى ظرف من أصعب ظروفه سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا وحتى مناخيًّا، ناهيك عن لعن الإقليم العربى حيث الصراعات التى لا تعطيه فرصة ليشم أنفاسه، وأغلبها يدق على أوتار العقيدة أو الانتماء الدينى الذى بات «أفيونًا» صريحًا.

 

 

ولا يمكننى أن أرى زيارة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، للفاتيكان ولقاءه مع البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، والفعاليات التى ضمت أرفع القامات فى الكنيستَيْن القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية إلا تسامحًا وقبولًا وإنسانية ودرسًا لما ينبغى أن يكون عليه العالم، فعلى الرغم من الخلافات الكبيرة والتاريخية بين الكنيستين.

 

 

فإن الخلاف والشقاق والعصبية حين تهيمن على حياة البشر- وتكون مهمة «كبار القوم» التسليط على هذه الاختلافات وتسويقها للجموع باعتبارها مسألة حياة أو موت، أو يتم الاتجار بها حيث يتم إقناع الجموع بأن مهمتهم فى الحياة هى قتال المختلفين من أجل إعلاء ما يُمليه عليهم كبارهم، وهى الإملاءات التى يجرى الترويج والتسويق لها على أنها الطريق الوحيد للجنة- تنقلب حياة البشرية إلى جحيم على الأرض.

 

 

ولأن سُنة الحياة الاختلاف، ولأن الحكمة العظيمة تكمن فى «لكم دينكم ولى دين»، ولأن العبد يوم الحساب هو المسؤول عن أفعاله دون وسيط أو تدخلات، فإن العمل على زرع وغرس ونشر والتأكيد على مبادئ إنسانية تقوم على القبول والتعايش والتعاون من أجل رفعة البشر وليس من أجل تقاتل البشر هو أروع الأعمال وأعظمها.

 

 

مشاهد الزيارة عظيمة، والتدقيق فى الصور متعة، وفهم الرسائل المتضمنة والرمزية، وليس فقط الكلمات المنطوقة والأنشطة المنصوص عليها فى برنامج الزيارة يدعونا إلى التفكير لما فيه خير الإنسانية ورفعتها دون المرور على قنوات ومسارات إجبار الآخر (أى آخر) على أن يكون صورة طبق الأصل منّا. خلق الله البشر للتعايش لا للاقتتال، وللعمل من أجل عالم أكثر هدوءًا، لا أشد اشتعالًا.

المقال / امينة خيرى 

المصرى اليوم 

 

التعليقات