مواجهات غزة
تكرر في غزة سيناريو أغسطس من العام الماضى، وأعادت إسرائيل استهدافها للعناصر العسكرية لحركة الجهاد الإسلامى باغتيال ثلاثة منهم، ثم استهدفت الرابع، أمس الأول، وقتلت عشرات المدنيين، وبينهم أطفال.
والفارق أن في العام الماضى سقط 48 فلسطينيًّا، وهذا العام سقط حوالى 30، وفيما عدا الفارق في أعداد الشهداء والمصابين، فقد تكررت نفس المشاهد السابقة، فحركة الجهاد هي التي دخلت بمفردها المواجهة مثل العام الماضى، وكان ردها على الاعتداء الإسرائيلى هو نفسه رشقات صواريخ أصابت مدنًا إسرائيلية دون أن تُخلف ضحايا تُذكر، كما أن حركة حماس تابعت المعارك مثل العام الماضى دون أن تدخل فيها، واستمرت مصر في لعب دور الوساطة بين الطرفين، ونجحت بعد جهود كبيرة في فرض هدنة بينهما.
واعتادت حركة الجهاد الفلسطينى أن تصف أي هدنة مع إسرائيل بأنها تمثل نهاية جولة في معركة مستمرة، بما يعنى ضمنًا أو صراحة أنها في انتظار جولة جديدة من المواجهات طالما ظل الاحتلال.
والحقيقة أن جولات الصراع المسلح بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية على مدار ما يقرب من ٢٠ عامًا لم تثمر عن أي تغيير في طبيعة الصراع أو تحقيق مكاسب لصالح القضية الفلسطينية يسهم في بناء دولته المستقلة إلا تأكيد حضور المقاومة المسلحة وشرعيتها طالما بقى الاحتلال.
كما جرى في ٢٠١٩ و2022 اقتصرت هذه المعركة على حركة الجهاد فقط دون باقى الفصائل، وخاصة حماس، ولم يسقط أي ضحية من الإسرائيليين رغم إطلاق سرايا القدس، (الجناح العسكرى لحركة الجهاد)، مئات الصواريخ على عدد من المدن الإسرائيلية.
والحقيقة أن حرص حركة حماس، (وهى القوة الكبرى عسكريًّا)، على عدم الدخول في مواجهة مع إسرائيل يعنى عدم طول المعارك، خاصة أن إسرائيل قصرت استهدافها على قيادات الجهاد، وخاصة جناحها العسكرى، بجانب استهانتها المعتادة بأرواح المدنيين والأطفال، الذين شكلوا غالبية الضحايا.
والحقيقة أن عدم استهداف قادة حماس العسكريين يعنى أن هناك احترامًا لقواعد الاشتباك بين الجانبين، كما هو الحال مع حزب الله في لبنان، خاصة أن حركة حماس لا تزال، على عكس حركة الجهاد، خارج الحسابات الاستراتيجية الإيرانية، وأنها رغم علاقتها الجيدة معها، فإنها حافظت على قدر من الاستقلالية، وأعْلَت من شأن حساباتها الفلسطينية.
من المهم العمل على تحويل الهدنة إلى مسار تسوية سلمية، خاصة أن مواجهة الأمس لم تغير مثل سابقتها المشهد الفلسطينى أو الدولى، حتى لو كانت هناك بعض التغييرات في الموقف الأمريكى وتزايد أصوات الضمير العالمية، التي تنتقد إسرائيل دون أن يترجم ذلك في مسار سياسى يفرض على إسرائيل تسوية سلمية عادلة وحل الدولتين، واكتفت القوى الكبرى برفض العمليات المسلحة التي تقوم بها حركة الجهاد والحفاظ على أمن إسرائيل والاحتلال في نفس الوقت.
المقال / عمرو الشوبكى
المصرى اليوم