مصر لا تحتاج دورة أوليمبية
هناك دول تملك ما لا يكفى لاستضافة وتنظيم بطولات رياضية.. ودول أخرى تملك بطلات وأبطالا يفوزون بها.. ويبقى الاستثناء هو الدول التي تملك الاثنين معا.. ومن حق كل دولة أن تراجع حساباتها وتحدد استراتيجيتها الرياضية وأولوياتها حسب ما تملكه.. المال أو الأبطال والاستضافة أو الميداليات.. وجاء الوقت الذي لابد أن تتوقف فيه مصر الرياضية وتراجع حساباتها.. وليس عيبا أن تدرك مصر أنه ينقصها الكثير من المال اللازم لاستضافة البطولات والدورات الرياضية.. لكن العيب هو ألا تدرك مصر أن لديها مواهب رياضية حقيقية تحتاج فقط للرعاية والاهتمام لتنتصر وتتألق عالميا وأوليمبيا.. وكان وسيكون من الخطأ الفادح أن تحاول مصر الجمع بين الاستضافة والتنظيم وصناعة الأبطال.
ولا أقصد التقليل من مكانة مصر الرياضية وتاريخها ونجومها.. لكن مصر الآن تواجه أزمة اقتصادية استدعت إجراءات تقشف حكومية في مختلف المجالات، منها الرياضة بالتأكيد.. والثابت تاريخيا أن مصر لم تربح طيلة مائة سنة من أي بطولة رياضية استضافتها وقامت بتنظيمها.. ولم تربح أيضا أي دولة استضافت مؤخرا بطولات كبرى أو دورات أوليمبية.. وبينما كانت مصر الرياضية مستسلمة طيلة خمسة وتسعين عاما لارتباكها وعجزها عن تحديد أولوياتها منذ فازت بأول ميدالية أوليمبية 1928.. كانت هناك بلدان أخرى تنفق على الرياضة أقل مما تنفقه مصر ولم تشغل نفسها بحلم أو رغبة استضافة دورة أوليمبية وتفرغت لصنع أبطال رياضيين.. ومقابل 38 ميدالية فقط هي كل رصيد مصر الأوليمبى حتى الآن.
هناك 235 ميدالية لكوبا.. و230 ميدالية لبلغاريا.. و113 ميدالية لكينيا.. و88 ميدالية لجامايكا.. و80 ميدالية لكازاخستان.. و58 ميدالية لإثيوبيا.. رغم أنها بلدان لم تدخل السباق الأوليمبى إلا بعد مصر بسنين طويلة.. كما أنها فازت بكل هذه الميداليات في ألعاب قليلة جدا ولم تكن كمصر التي لم تعرف حتى الآن وتحدد الألعاب التي تراهن عليها.. ولن أتحدث عن بلدان أخرى ليست غنية ولم تشغل نفسها بالهوس الأوليمبى وتفرغت للبطولة فقط.. مثل المجر التي لها 518 ميدالية و320 ميدالية لبولندا و309 ميداليات لرومانيا و104 ميداليات لتركيا و76 ميدالية لإيران.. كما أن الملايين أو مليارات الدولارات التي ستنفقها مصر لاستضافة دورة أوليمبية بإمكان نسبة ضئيلة جدا منها أن تصنع لمصر بطلات وأبطالا عالميين جددا.
وليست الدورة الأوليمبية فقط.. إنما يمكن لمصر أن تتوقف مؤقتا عن هذا الولع والجرى لاستضافة أي بطولة رياضية أيا كان حجمها أو لعبتها والتفرغ لوضع استراتيجية رياضية جديدة وحقيقية تستحقها مصر وتحتاج إليها.. وباستثناء الدورات الأوليمبية والمونديال.. لا يتذكر أحد من استضاف أي بطولة أو دورة أخرى سواء دولية أو قارية لكن يحتفظ التاريخ بمن وقفوا على منصات التتويج.. ولهذا بدأت دول كبرى وغنية تستغنى عن استضافة كثير من البطولات التي تخسر ماليا وتتركها لبلاد أقل ثروة لتفرح وتتغنى بها وتنفق عليها الكثير من مالها القليل.
المقال / ياسر ايوب
المصرى اليوم