«أرماجادون» وسط البلد
بعد أسابيع طويلة من الانقطاع عن المرور بشوارع وسط القاهرة (وسط البلد) المحببة إلى قلبى وقلب كل مصرى وعربى وأجنبى أصيل شكلت هذه الشوارع جزءًا من ذكرياته، رأيت ما ذكّرنى- ما «عكنن» على- الحاضر والماضى وغالبًا المستقبل دون مبالغة. رأيت زحفًا مرعبًا للباعة الجائلين، أو بالأحرى الذين يفترشون ويحتلون الأرصفة نهارًا جهارًا فى مشارق الشوارع ومغاربها.
وهم الافتراش والاحتلال اللذان أجبرا المارة على المشى فى عرض شارع الجلاء، وما أدراك ما شارع الجلاء ومركباته المتناحرة والمتسابقة دون هوادة أو منطق أو رحمة!. رأيت كذلك أعلى مبان عديدة بين شارعى الجلاء ورمسيس كمًا مذهلًا من مخلفات البناء وتجديد الدواخل، وهى على هيئة تلال يرقى بعضها إلى مكانة الجبال.. وبين المخلفات، ومن باب شر البلية ما يضحك.
تلال من «المراحيض» الملقاة أعلى سطح أحد المبانى الحيوية فى مشهد هزلى رهيب. ورأيت تقاطعات فى شارع الجلاء لا صوت يعلو فيها على صوت الفوضى الرهيبة، حيث لا إشارة مرور أو عسكرى أو غيره وكأن السيارات والباصات والمارة يعايشون مشاهد من «أرماجادون» الرهيبة.
ورأيت ملابس بالة وأخرى جديدة معلقة على شماعات تسد مداخل ومخارج مستشفى كبير وحيوى فى شارع الجلاء، وحركة البيع والشراء والفرجة مزدهرة ومنتعشة على باب المستشفى. ورأيت فى ميدان الأوبرا مشاهد فوضوية، ما أنزل الله بها سلطان، بين باعة يفترشون الأرصفة وما تحت الأرصفة، ومخلفات بناء وحواجز حديدية وسيارات «تُمناية» تقف أينما يحلو لقائديها.
أعى تمامًا أن عمليات البناء أو الترميم فى موقع ما ربما ينجم عنها بعض التعطيل أو القليل من التكدير للحركة فى الشارع، وهو ما يتم تقليصه عبر وضع تصورات وخطط قابلة للتنفيذ يتم تطبيقها عبر مختصين وتنفيذيين إلى أن يتم الانتهاء من أعمال البناء.. أما أن تترك المواقع تضرب تقلب دون أدنى تنظيم أو تسيير أو تيسير على أن يحل المواطنون مشاكلهم بينهم وبين بعضهم البعض.
فتكون أولوية المرور الأقوى والقدرة على المشى فى عرض الشارع لمن يقوى والتعايش مع الفوضى العارمة لمن يجرؤ. ويبدو أن النسبة الغالبية قادرة وجريئة، حيث لا تبدو أى علامات امتعاض أو اندهاش لدى غالبية المارة. ليس هذا فقط، بل إن وجوه غالبية المارة لا تحمل أى علامات من الأصل. وهذا شىء مرعب.
قبل سنوات، كنت أظن أن اعتياد القبح مخيف، لكن ما رأيته ليس فقط اعتيادًا بل اندماج وتسامح وانصهار. لا أطلب المستحيل ولا أحلم بغير الممكن، لكن ما رأيت فى شوارع وسط البلد هو بكل تأكيد تطور بالغ السلبية لما كانت عليه قبل أشهر قليلة مضت.
هذه المشاهد جعلتنى أتساءل عن مصير مبادرة «كايرو بايك». لم أشاهد درّاجة واحدة، وأحمد الله كثيرًا على ذلك، فقيادة دراجة فى هذه الأجواء عملية انتحارية. ماذا يحدث فى وسط البلد؟!.
المقال / امينة خيرى
المصرى اليوم