تونس وانتخابات الرئاسة
يحتدم النقاش السياسى في تونس بين ثلاثة اتجاهات رئيسية متناقضة في توجهاتها الفكرية ومواقفها السياسية؛ الأول لا يزال يؤيد الرئيس قيس سعيد، والثانى ينتظر بديلا جديدا في الانتخابات الرئاسية القادمة، وأخيرا هناك من يطالب برحيل الرئيس ويصف إجراءاته بالانقلاب وينسى أنه رئيس منتخب في انتخابات حرة ديمقراطية وبنسبه ٧٦٪.
والمؤكد أن تيار حركة النهضة وحلفاءها يواجه الرئيس سعيد «بمنطق صفرى»، فلا يعترف بالدستور الجديد، ويعتبر الفترة السابقة على حكم قيس سعيد «فترة ذهبية» نعمت فيها تونس بالديمقراطية، في حين أن قطاعا واسعا من الشعب التونسى لم ير ذلك، واعتبرها نموذجا للفشل وسوء الأداء، كرست لسياسة توزيع «المغانم» بين الأحزاب.
والحقيقة أن الفارق بين المشروع السابق على قيس سعيد وبين مشروعه الحالى، يكمن في أن الأول مشكلته كانت هيكلية أي في دستوره الهجين الذي أنتج نظاما عاجزا عن الفعل والإنجاز، حين كان هناك رأسان للسلطة التنفيذية هما: رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وهو أمر من المستحيل أن نجده في أي نظام سياسى آخر، فالنظم البرلمانية تعرف رأسا واحدا للسلطة هو رئيس الوزراء المنتخب من البرلمان، وفى النظم الرئاسية هو رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب، أما أن نجد دستورا يعطى صلاحيات لرئيس الوزراء تنازع رئيس الجمهورية فلم يوجد إلا دستور تونس السابق. أما مشروع الرئيس الحالى فمشكلته الأساسية تكمن في سوء الأداء، والتخبط في كثير من القرارات، والوقوع في فخ الشعارات البراقة على حساب القدرة على الإنجاز الحقيقى، أما انتقاله إلى النظام الرئاسى فهو يمثل نقطة إيجابية ومطلوبة لبناء نظام سياسى جديد يكون فيه رأس واحد للسلطة التنفيذية هو رئيس الجمهورية، يقابله برلمان يراقب وسلطة قضائية مستقلة. صحيح أن الدستور الحالى فيه بعض المواد التي تحتاج لتغيير، وغير متعارف عليها في النظم الرئاسية الديمقراطية، وأنها تعيش حاليا في ظل نظام تعددية مقيدة وليس نظاما ديمقراطيا، ولكن تبقى فرص إصلاح هذا النظام من داخله أكبر بكثير من فرص التجارب التي قامت على المحاصصة بين أحزاب ضعيفة ومشروع تمكين لتيارات الإسلام السياسى، وانتهت بالفشل.
سيظل مبدأ التحول نحو النظام الرئاسى صحيحا لأنه يفتح الباب لبناء نظام سياسى يقوم على «ديمقراطية الإنجاز» وليس «ديمقراطية الثرثرة»، كما جرى في فترات سابقة.
ومن هنا يصبح الخيار الأنسب لتونس هو الحفاظ على المسار الحالى وإصلاحه من داخله، والتمسك بشرعية الرئيس المنتخب حتى نهاية مدته الأولى، وقد يكون الاتحاد التونسى للشغل، باعتباره المنظمة النقابية الأكبر في البلاد ولديه قاعدة اجتماعية حقيقية، هو الأكثر قدرة على تقديم بدائل إصلاحية من داخل المسار الحالى الذي أيده في بدايته، ويدعم مرشحا جديدا في انتخابات الرئاسة القادمة قادرا على المنافسة وربما الفوز.
المقال / عمرو الشوبكى