عبقرية مشهد الحدود
استقبال مصر للإخوة السودانيين «تاريخى»، وفيه بدلًا من الدرس والعبرة والحكمة الواحدة مائة ويزيد. على مدار السنوات الماضية، وتحديدًا منذ هبوب رياح «الربيع العربى» على المنطقة، وجهود عاتية تبذل من أجل ضرب مصر.
لا أتحدث عن نظام سياسى دون غيره، لكن أتحدث عن جهود ضرب مصر إن لم يكن عبر أداة الإسلام السياسى ممثلة في جماعة الإخوان وأبناء عمومهم من التيارات السلفية وشبه السلفية، فمن خلال إشعال فتيل الإرهاب في سيناء، وإن لم يفلح ذلك، فعبر ضرب السياحة القادمة إلى مصر بتفجير هنا أو بيانات تحذر مواطنى الدول الأكثر زيارة لمصر من القدوم إليها رغم أن دولًا أخرى في المنطقة كانت أكثر خطورة وشهدت أحداثًا أعتى فداحة، ورغم ذلك لم يتم وضعها على قوائم الدول الخطرة أو تصدر تحذيرات من زيارتها. وإن لم ينجح كل ما سبق، فبتجييش وحشد منظمات ولجان لإصدار تقارير حقوقية تستخدم كوسيلة إضافية للخنق والضغط.
(لا أقول إن ملف الحقوق والحريات ليس مهمًا، بل أقول إن استخدامه المسيس مرفوض ومفضوح) ما يجرى عند حدودنا الجنوبية ملحمة بكل معانى الكلمة. وحتى لو حكى العابرون عن مصاعب أو تعرضوا لمشكلات، يبقى المشهد الحدودى تاريخى بكل المقاييس. والأهم من ذلك أنه أخرس التقارير التي احترفت منصات إعلامية عديدة في إعدادها حول «رحلة عذاب فلان القادم من السودان لزيارة أقاربه في مصر» أو «مأساة فلانة في عبور الحدود لعدم وجود أوراق ثبوتية معها» وغيرها من عناوين كانت بابًا ثابتًا في عدد من المواقع والقنوات الإخبارية الغربية، بالإضافة إلى بعض المنصات الإقليمية!. وأعود إلى مشهد الحدود والتغطيات الإخبارية والحقوقية والإنسانية والتى لا يسعها أو يمكنها أو يتمكن منها إلا أن تحكى ما يجرى: إنه المنفذ والمهرب والملجأ الإنسانى المفتوح (بعد تدقيق أمنى مستحق) لأهلنا وأخوتنا السودانيين وغيرهم من جنسيات هاربة من جحيم الحرب.
وللعلم والإحاطة، فإن هذا هو المتوقع من أي دولة تحترم المواثيق الدولية، وقبلها بديهيات وأبجديات الإنسانية، فيما يختص باستقبال الهاربين من جحيم الصراعات. ولكن جميعنا يعلم أن هذا لا يحدث بالضرورة على أرض الواقع، كما أنه حين يحدث، كثيرًا ما يتم انتقاء النوعيات التي يجرى قبولها من منطلق حجم الفائدة التي ستعود على المجتمع المضيف. وقد رأينا ذلك نهارًا جهارًا في عدد من الدول الأوروبية في عز جحيم الحرب السورية، ولم تجرؤ المنصات الإعلامية نفسها- التي أشرنا إليها سابقًا- على التلميح إلى الاختيار الانتقائى إلا فيما ندر. عمومًا، نبقى في المشهد الآنى، ونقول إن المشهد الحدودى يجب أن يكون مصدر فخر حقيقى وليس إنشائيا لكل مصرى ومصرية. المصريون يستقبلون أخوتهم السودانيين استقبال الأخوة، وليس استقبال اللاجئ أو النازح، وكفى. القادمون لن يقيموا في مخيمات، فمصر لا تؤمن بذلك، ولم يحدث من قبل. تحية خالصة للمشهد الحدودى.
المقال / امينة خيرى
المصرى اليوم