عودة الصالونات الأدبية.. كيف؟
حرضني أصدقاء على الكتابة عن غياب الصالونات الأدبية و الندوات الثقافية في مصر في الوقت الراهن، وكنت قد أشرت إليها في مقالي السابق عن ذكرى تسلم جائزة نوبل.
ولا يوجد بيننا من يجهل "الصالونات" بفضل صالون مي زيادة الذي جمع عمالقة التنوير، وصالون العقاد الذي قرأنا عنه "في صالون العقاد كانت لنا أيام" لـ" أنيس منصور " (طبعته ثلاث من دور النشر).. وندوات نجيب محفوظ في أكثر من مكان، وأخيرًا كتب عنها الصديق إبراهيم عبدالعزيز كتابًا ضخمًا (ليالي نجيب محفوظ في شبرد ـ منشورات دار بتانة ـ 2020)..
وقد اعتمدت في مقالي الأسبوع الماضي على كتاب الصحفي والمسرحي نعمان عاشور "مع الرواد" (هيئة الكتاب 1987) والذي حشد أسماء صالونات وندوات هائلة، بسبب أسماء المنضمين لها، وذلك في سياق تأكيده شهرة واستمرارية أي ندوة يكون نجمها الأول نجيب محفوظ ..
واعتبر عاشور أنه كان "عصر الندوات الأدبية".. لكن أصدقاء حدثوني عن الرغبة في استعادة ذلك العصر، باعتبار الصالونات والندوات دليلاً على الفكر والتطور الثقافي وأنها عنصر مازل له جاذبيته وقدرته على تأسيس حالة ثقافية.
وكتب لي الأديب والمترجم ماهر البطوطي أن الندوات الثقافية كانت رافدًا لحياتنا في ذلك الوقت "حضرت ندوات الأستاذ نجيب محفوظ ، ولكني لم أحادثه شخصيا سوى مرتين في ندوة المقطم بدعوة من صديقي الدكتور عبادة كحيلة وكانت حلما تحقق" ... و"رأيي أن تقوم بهذا الأمر مع من حولك من المثقفين الذين ينطبق قولك عليهم" ...
وعلق الكاتب الصحفي محمد الشبه بضرورة إطلاق دعوة "لعودة الحياة للصالونات الأدبية التي أضاءت المحروسة بنجومها ومرتاديها ونقاشاتها الزاخرة التي كانت إحدى علامات النهضة الفكرية من مطلع القرن الماضي وحتى التسعينيات"، من مقهى متاتيا بالعتبة إلى ريش وجروبي واسترا وايزائيفتش وعلي بابا، وحتى كازينو قصر النيل الذي شهد لقاءات نجيب محفوظ الأخيرة مع نجوم شلة الحرافيش الشهيرة"..
ويطالب الشبه بأن تكون الدعوة الجديدة "مشروعًا ثقافيًا يستنهض كتابنا ومفكرينا الكبار لإحياء ظاهرة الصالونات الثقافية التي كانت دومًا ساحة خصبة لاختلاط شباب المبدعين بكبار الأساتذة".. ويختتم الشبه تعليقه بأنها "دعوة نبيلة ليتواصل تدفق نهر الإبداع في حياتنا الثقافية، خاصة في ظروف جائحة كورونا التي عزلت الناس عن بعضهم وباعدت بين المثقفين والكتاب وبين جمهور المتلقين"..
كما علق صديقي الأستاذ جمال زكي وكتب متحمسًا: " الندوات الثقافية هى الدليل الوحيد على مدى حضارة الشعوب ونضوجها فكرياً"..
ولو أعدنا قراءة تاريخ الندوات الثقافية سنجد أن صحفيين كبارًا هم من جمعوا مثقفين كبارًا ومن الشباب حولهم، في بيوتهم أو مقرات صحفهم، أو في المقاهي..
أما الندوة الأشهر والتي لم ترتبط بمكان بقدر ارتباطها بأصحابها فهي الحرافيش ، مجموعة من الأدباء الشبان على رأسهم نجيب محفوظ أطلقوا على أنفسهم تحت ظلال السخرية والإحباط والأحلام "الدائرة المشئومة" حتى حولها الفنان أحمد مظهر إلى " الحرافيش " والتي انتهت برحيل محفوظ.
هل الاستعادة ممكنة..
ويعبر الوضع الحالي عن تحولات اجتماعية جرت في السنوات الثلاثين الأخيرة، وربما تنتشر بعض الندوات مثل صالون د.لوتس عبدالكريم شبه الشهري الذي يضم صحفيين وشعراء وفنانين ودبلوماسيين ورجال أعمال وسيدات أعمال في منزلها على النيل في المعادي.. وأندية القراءة حيث يدعو البعض أصدقاءهم إلى بيوتهم لقراءة عمل محدد، مثل المثقفين الكبيرين د. محمد أبوالغار ود.زياد بهاء الدين.. كما أن لدينا قراءات شهرية في صالون دور نشر مهمة مثل الدار المصرية اللبنانية..
ولدينا ندوة صباح الجمعة في "زهرة البستان" في وسط البلد ونجمها الراحل سعيد الكفراوي وكتابها الكبار وحيد الطويلة وعزت القمحاوي وعبدالمنعم رمضان وإبراهيم داود.. وندوة الثلاثاء في حزب التجمع وزعيمها الدكتور يسري عبدالله والشاعر جمال القصاص والروائي فتحي إمبابي، وندوة د.محمود عمارة في بيته الريفي داخل مشروعه الزراعي على طريق مصر - الإسكندرية الصحراوي والذي يشترط صاحبه عدم الحديث في السياسة التي تفرق والإفاضة في الأدب والثقافة والأحلام العظيمة التي تحلق..
ولكن: هل تصنع هذه الندوات والقراءات مهما غردت ربيعًا ثقافيًا مماثلًا لما كان.. ويلح على السؤال الذي واجهني به الشبه والبطوطي وزكي وغيرهم من الأصدقاء، هل يمكن الدعوة إلى صالونات وندوات ثقافية في المقاهي وفي بيوت كبار الكتاب والمثقفين وفي الدور الصحفية، بالشكل التقليدي الذي تعارفنا عليه في تاريخنا الثقافي..
ها أنذا أطلقها، ولدينا كبار يمكن أن يوجهوا الدعوة إلى أصدقائهم وتلاميذهم على فنجان شاي، أو على مقهى حتى يدفع كل واحد حسابه.. وقطعًا سأنسى أسماء؛ لأن مصر لم تجف بعد، فلدينا الكاتب وحيد حامد ومكانه المفضل في الميريدان، والأديب الدكتور محمد المخزنجي ومكانه المفضل في سفير الدقي.. ويمكن أن يتقدم الكتاب يوسف القعيد ومحمد سلماوي ويوسف زيدان والشاعر أحمد الشهاوي والشاعر حزين عمر والشاعر شعبان يوسف صاحب ورشة الزيتون الرائعة والتي أدعوه إلى كتابة تاريخها الأدبي..
(الأهرام)