تغيير القناعات.. لا القبعات!

 

أي متابع لخطوات حركة النهضة الإسلامية في تونس، هذه الأيام، سوف يجد ما يغريه بالمتابعة، وسوف يجد ما يشده إلى المتابعة باستمرار!
وعندما تطالع في أول هذا الأسبوع ما يقول إن الحركة التي يرأسها الشيخ راشد الغنوشي تفكر في ثلاثة بدائل، وأحد هذه البدائل هو الذهاب إلى صفوف المعارضة بديلاً عن المشاركة في الحكومة، فسوف تكون مثل هذه الخطوة مدهشة لك ولكل متابع معك، وسوف تصادف فيها ما يغريك بالمتابعة أكثر وأكثر!
 
فهناك حكومة جديدة تتشكل في البلد في هذه اللحظة. والرجل الذي تلقى تكليف تشكيلها من الرئيس قيس سعيد هو وزير الداخلية في الحكومة السابقة!
 
ولا أحد يعرف متى ستخرج الحكومة الجديدة إلى النور، ولكن الذي نعرفه أن مطالبات قوية تنطلق كل يوم منذ بدء مشاورات تشكيلها بإبعاد حركة النهضة عنها، وأن تكون حكومة منزوعة الإسلاميين، لأن هذا هو الشيء الكفيل بنجاحها في أداء مهمتها!
 
ولا أحد، أيضاً، يعرف حقيقة شعور الشيخ راشد، وهو يكتشف أن الأحزاب في البلد لا ترغب في وجود حزبه في الحكومة، رغم أن هذا الحزب هو صاحب الأكثرية في مقاعد البرلمان، ورغم أن الغنوشي نفسه يتولى رئاسة برلمان البلاد منذ تشكيله آخر السنة الماضية، ورغم أنه يتولاه انتخاباً من الأحزاب ذاتها التي تدعو بكل قوة إلى إقصاء حركته عن الحكومة الجديدة!
 
ولو أن الشيخ راشد أنصف نفسه، لكان قد صارح رجاله في الحركة بأن هذه الدعوات التي تطلب إقصاءهم لم تنطلق من فراغ، وأن سلوكيات وتصرفات النهضة منذ شارك في الحكومة السابقة هي التي جعلت باقي الأحزاب والقوى السياسية تضج، وتكاد تكفر بكل قيمة ديمقراطية!
والسبب أن النهضة ما كاد يشارك في حكومة تسيير الأعمال التي تدير شئون الناس إلى أن تتشكل الحكومة الجديدة، حتى راح يتصرف فيها بمنطق المهيمن المسيطر، وليس بروح المشارك المتعاون. وكذلك بالضبط فعل الشيخ راشد في رئاسة البرلمان.
 
وقد كانت النتيجة أن الحكومة سرعان ما عجزت عن البقاء في مقاعدها، ثم كانت النتيجة أن البرلمان سرعان ما شهد أصواتاً قوية تدعو إلى سحب الثقة من رئيسه الذي كاد يفقد منصبه، لولا أنه نجا من ذلك بمعجزة من السماء!
وكان الظن أن الفترة التي قضاها الشيخ مع رجاله خارج تونس أيام حكم الرئيس زين العابدين بن علي سوف تجعلهم أكثر مرونة في التعامل مع الآخرين، وسوف تجعل عقولهم تتفتح على سائر الآراء ووجهات النظر، وسوف تجعلهم فرعاً من جماعة الإخوان يختلف على المستوى الفكري، عن الجماعة الأم التي مارست الهيمنة في القاهرة إلى أن فقدت ليس فقط السلطة، ولكنها فقدت تعاطف الناس أنفسهم!
 
وبدلاً من أن تجلس حركة النهضة مع رفاقها في الحكم على مائدة واحدة، لترى كيف يمكن التوافق بينها كصاحبة أكثرية في البرلمان، وبينهم كشركاء في الحكم وفي السلطة، فإنها راحت تفكر في الانسحاب خطوة إلى الوراء لتجلس في مقاعد المعارضة!
 
ومثل هذا الخيار يمثل تكتيكاً من جانبها أكثر مما يمثل أي شيء آخر، ولو لم يكن كذلك لكانت قد قررت أن تتقدم، وتشارك، وتتعاون، وتتحاور، وتتقبل وجهة النظر الأخرى!
 
فهي تأخذ خطوة إلى الخلف لتستعد من جديد للانقضاض على الحكومة، لا لتراجع أفكارها وقناعاتها. وخطوة كهذه من جانبها هي في الحقيقة آخر ما نطلبه من تيار الإسلام السياسي في تونس وفي المنطقة كلها.
إننا نريد تغيير القناعات لا القبعات.
(مصراوي)
التعليقات