هل نستخدم تقنية الـVAR في حياتنا ؟
ماذا لو كان بوسعنا استخدام تقنية الـVAR في حياتنا والتي أقرت رسميًا من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قبل عامين فقط..
هذه التقنية العبقرية التي تشعل الحماس في ملاعب كرة القدم, وتدخلنا في أجواء الرعب والترقب, قد تكون هي التقنية التي يمكن أن تساعدنا على عمل مراجعات تاريخية، وإعادة نظر في قراراتنا وممارستنا النقدية والفكرية والسياسية والعسكرية, وفي الحياة الشخصية..
عشرات الآلاف في الملعب ومليارات خارجه تلهث وراء نظرة الحكم الصارمة، وهو يدقق في الـVAR، وكأنه يقود طائرة العالم وسط الهتاف والأعاصير وأمواج الدعاء..
نحن نعيش قمة الإثارة عندما يتجه الحكم مسرعًا ليشاهد وحده, ويتخذ القرار بكل شجاعة, ونرى الجميع يمتثل له بقوة القانون.. قانون اللعبة..
وشاهدنا في الأيام القليلة الماضية دراما فوز أتليتكو مدريد في مدينة جدة السعودية, وذهابه إلى نهائي كأس السوبر الأسبانية على حساب فريق برشلونة.. وفي المباراة كان الـVAR (ومعناها: حكم الفيديو المساعد) بطلاً كآلهة اليونان القدامى، وتم إلغاء هدفين لبرشلونة, الأول لميسي أحسن لاعب في العالم لعام 2019.. والهدف الآخر سجله زميله بيكيه, واحتسبه الحكم, ثم إلغاه بداعي التسلل بعد أن استخدم تقنية الفيديو وسحرة الفيديو, وأظهرت الإعادات صحة قرار حكام التقنية العجيبة..
هذا إبداع حقيقي, لأنه يعني القدرة على مراجعة القرارات المصيرية والأخطاء وتعديلها نحو الصواب فورًا, كنوع من التدخل العاجل والجريء, من أجل العدالة أو أكبر قدر مستطاع منها, ودرءًا للظلم..
لو أن لدينا إمكانية الـVAR هل كان سيعيد البعض منا النظر في "الربيع العربي" الذي تحل ذكراه التاسعة هذه الأيام, والاستفادة من منجزه الثوري والفكري على نحو مختلف عما جرى؛ لنستخرج منه زهورًا وإبداعًا وتقدمًا بدلاً من كل هذه الأشواك والتبعية والتراجع؛ لنخرج أقوياء بدلاً من الضعف الذي أصابنا وتسبب في جرأة غير معهودة لقوى إقليمية, مثل أثيوبيا التي باشرت في بناء سد النهضة بعد أن تابعت من هضبة الحبشة دخان الفوضى وعدم اليقين والتربص والحرص على المكاسب السياسية الرخيصة في النخبة المصرية.
تلك النخبة التي قرر بعض المؤثرين في تياراتها الوطنية المختلفة الذهاب إلي فندق فيرمونت في 22 يوليو 2012, ليعصروا الليمون, ويقدمون مصر قربانًا للجماعة ومناصريها في تركيا وقطر وعند عمر البشير في السودان وراشد الغنوشي في تونس وقادة حماس..
ومن منصة الفندق باع الصحفي والإعلامي الكبير حمدي قنديل للشعب أقراصًا مخدرة من نوع "فريق رئاسي" و"حكومة إنقاذ وطني" إلي آخر ذلك الهراء؛ وهو القرار الذي أشك في أن من اتخذوه من القوى الوطنية مرتاحون له الآن, وأتصور أن بعضهم بالفعل قدم مراجعات متأخرة, لكنهم لم يتمكنوا أبدًا من استخدام أي وسيلة لاستعادة قرارهم الضائع..
ولو أن لدينا تقنية الـVAR لعاد العرب والفلسطينيون إلى قبول قرار التقسيم سنة 1947 بدلا من الرفض الخاطئ وإعلان حرب لم نكن مستعدين لها أدت إلي النكبة, والآن لا العرب ولا الفلسطينيون يملكون خيارات كثيرة, فقرار التقسيم رغم ظلمه في ذلك الوقت, إلا أنه أعطى الفلسطينيين ثلث مساحة فلسطين التاريخية، والآن ولا في الأحلام الحصول على نصف ما خصص لهم القرار.
أعرف أنها أخطاء تاريخية ومقادير مكتوبة, ولكن إعادة التركيز فيما جرى يضعنا بالضبط أمام مسئولية أو محاولة تفادي مسئولية "المجني عليه" في كثير من الحوادث.. خطأ ما في قرار لا يمكن استعادته تصل بنا إلى ما يعتصره المثل الشعبي من خبرة السنين: "الفاس وقع في الراس"..
إذن ما فائدة تقنية الـVAR البشرية إن وضعنا نصب أعيننا, وأظن أنها تكون ذات أثر فعال في المراجعة اليومية, في الرجوع عن قرار خاطئ, في احترام الآخرين, والاعتذار فورًا عن أي سلوك بشري ضار بأحد على الطريق أو من الجيران أو الأقارب.
وفي الحكومة: تحمل المسئولية عند الاختيار, والتغيير عند الضرورة, والاعتماد على الأكفاء والاعتراف بسوء التقدير في النقد والسياسة والإسراع بتحقيق العدالة.. وأيضًا هي الثقة بالتكنولوجيا وأهمية الارتكان إليها والثقة فيها لأنها الحاضر والمصير.. والثقة في الحكام المساعدين, لأن هذه التقنية تم اعتمادها لمحاصرة خطأ الحكم الواحد, لأنه كان ولا يزال بشريًا, وتفوته أشياء في أرجاء ملعب كرة القدم الواسع, لا يدركها كلها.. هي انقاذ لسمعة وأسلوب "فريق العمل", لأنه وراء التكنولوجيا حكام مساعدون كثر.
وقد يحسب البعض أن عمل تقنية الـVAR هو نفسه عمل "لو" في التاريخ.. لو حدث كذا لكان الأمر كذا... مثلا.. لكن المسألة مختلفة تمامًا..
(الأهرام)