هدايا «الأهرام»
فى أعقاب ثورة يناير طالب ملايين المصريين بالكشف عن كل قضايا الفساد وتهم إهدار المال العام، على أمل وضع البلاد على بداية الطريق الصحيح بتغيير المنظومة التى أنتجت هذا الفساد، وفتحت قضية هدايا «الأهرام» باعتبارها إحدى هذه القضايا، حتى أحالها، أمس الأول، النائب العام إلى محكمة الجنايات، واتهم فيها 4 رؤساء مجلس إدارة سابقين، وهم: إبراهيم نافع، ومرسى عطاالله، وصلاح الغمرى، وعبدالمنعم سعيد، بالإضرار بأموال المؤسسة بقيمة 268 مليونا و121 ألف جنيه، والتى تُعد فى حكم المال العام، وذلك بتقديم هدايا على حساب المؤسسة لعدد من المسؤولين السابقين فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وهى القضية المعروفة إعلاميا بـ«هدايا مؤسسة الأهرام».
ومن المهم الإشارة إلى أن الأشخاص الأربعة لم يُتهموا باختلاس أموال، إنما كانوا جزءا من نظام عام لم يكن يُسمح فيه لأى مؤسسة قومية «ثرية» مثل الأهرام (فى ذلك الوقت) بالعمل إلا فى ظل نظام الهدايا لتخليص أنشطة كثيرة للمؤسسة، وهنا تصبح القضية لها شقان: الأول قانونى، وهو ما سيتولاه القضاء المصرى بتقاليده المعروفة بدون تدخل أو تعليق من أحد، والثانى سياسى له علاقة بطبيعة التهمة أو الخطأ، وهو تقديم هدايا من قِبَل 4 رؤساء مجالس إدارة فى فترة تتجاوز 35 عاما (الأستاذ إبراهيم نافع بقى تقريبا 30 عاما رئيسا لمجلس إدارة الأهرام) بمبلغ قيمته 268 مليون جنيه.
والحقيقة أن على الدولة فى هذه القضية أن تبحث عن معيار واحد للتعامل مع كل قضايا الفساد وإهدار المال العام فى عهد مبارك، وأن تقديرى هذا ليس دفاعا عن أشخاص بأعينهم، لأنى وقتها كنت معارضا أو لم أكن من الفريق المؤيد للخط الرسمى، الذى مثلته إدارة «الأهرام»، ولم أتولَّ أى منصب إدارى منذ عملى فيها منذ 20 عاما، والوحيد الذى تعاملت معه عن قرب كان هو د. عبدالمنعم سعيد، بحكم أنه كان مديرا سابقا لمركز الدراسات بـ«الأهرام»، واختلفت كثيرا مع خطه السياسى، وأحيانا مع بعض قراراته الإدارية، ولكنه لم يُقْصِ مَن اختلفوا معه أو أشعرهم بأن وجودهم مُهدَّد، لأنهم مختلفون معه فى الرأى أو التوجه، كما أنه- وهذا هو الأهم- امتلك دائما آراء عاقلة وحججا علمية منطقية يدافع بها عن توجهاته السياسية، فلم يردد «الكلام الأبله» والخرافات، ولا «الهتافات الحنجورية»، التى نسمعها من كل صوب لتبرير موقف أو توجه سياسى، وهو ما ساعد مركز الدراسات على لعب دور رئيسى فى ترشيد النقاش العام فى مصر.
ولأن الدولة تصالحت مع رجال أعمال فى قضايا فساد كبرى قُدرت بمليارات الجنيهات، وأجبرتهم على رد ما أخذوه، فإن من باب أَوْلَى أن تحل قضايا هدايا «الأهرام»، التى قُدمت لمسؤولين فى الدولة، بعض رفاقهم أصبحوا الآن وزراء، أو مُقرَّبين من دوائر الحكم.
لقد تبنت الدولة بمحض إرادتها (وهو محل رفض من قِبَل البعض) سياسة الحل والتصالح، وطبقتها على أصحاب المليارات، وأرجو أن تجد حلا بالنسبة لمَن اتُّهموا فى مئات الآلاف، حتى تصبح المسطرة واحدة دون أى تمييز.