على قلب رجل واحد إلا حتة
اجتمعت الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة فى شهر مايو الماضى وقررت بإجماع الآراء ترشيح المستشار الجليل يحيى الدكرورى لمنصب رئيس مجلس الدولة وتقديم اسمه منفرداً لرئيس الجمهورية، وعدم الالتزام بترشيح ثلاثة أسماء لهذا الموقع المرموق، والتمسك بمعيار الأقدمية المطلقة مثلما نص القانون القديم.
وخرجت عمومية مجلس الدولة لتؤكد التزام القضاة الثلاثة والسبعة الأقدم (يعطى القانون الحق لرئيس الجمهورية أن يختار رئيساً لمجلس الدولة بين سبعة مستشارين إذا لم تقدم له الجهة القضائية الأسماء الثلاثة)، بقرارات الجمعية العمومية لمجلس الدولة، وأن الجميع على قلب رجل واحد فى التمسك بالدكرورى رئيساً لمجلس الدولة.
والحقيقة أن نظرية «الجميع على قلب رجل واحد» لا تعمل بشكل كامل فى مصر، خاصة فى المواقف التى تبدو وكأنها مخالفة لموقف الحكم الذى من الواضح أن له أذرعاً وقنوات اتصال فى كل مكان، وأنه قادر على التواصل مع البعض، وكسر هذه النظرية، وهو أمر تكرر فى تاريخنا المعاصر مع مؤسسات مرموقة ومع أحزاب سياسية ومع منظمات أهلية حين نجحت الدولة أن تخترق هذه المؤسسات وتختار «المناسبين» لها وفق معاييرها هى حتى لو كان هذا الاختيار على عكس ما توافقت عليه هذه المؤسسات، ولذا أصبح من الواجب التعامل بحذر مع أى موقف تعلنه أى جهة تقول «إننا على قلب رجل واحد».
صحيح أن كسر نظرية على قلب رجل واحد، والتى رفعتها الجمعية العمومية لمجلس الدولة، جاء من خلال قانون صدر (مهما كان الرأى فيه) أقره البرلمان، واختار بمقتضاه رئيس الجمهورية المستشار أحمد أبوالعزم كرئيس جديد لمجلس الدولة الذى رحب بالاختيار ونفذه فوراً رغم ترشيح مجلس الدولة للمستشار الدكرورى منفرداً!!.
ويبدو أن الدولة حين أصدرت هذا القانون نسيت أو تناست أن العدالة معنى وقيمة قبل أن تكون سلطة، وهى تطبق القانون مغمضة العينين. فعلى خلاف السلطة التنفيذية التى لها تحيزات فإن القاضى الوطنى هو الذى يطبق القانون ولا يصنف الناس ولا يستخدم تعبيرات سياسية يستخدمها بعض الإعلاميين إنما هو رمانة الميزان فى أى مجتمع وهو صاحب الرسالة الأسمى التى تجعل المواطنين مطمئنين على حقوقهم وواجباتهم، ولتحقيق ذلك لابد أن تكون السلطة التنفيذية بعيدة تماما عن اختيار رؤساء الهيئات القضائية.
ورغم هذه البديهيات التى غابت عن الحكومة والبرلمان أثناء تمرير هذا القانون، فإن رد فعل مجلس الدولة عليه، متمثلا فى مرشحهم المنفرد المستشار الجليل يحيى الدكرورى، جاء محترما وراقيا ويعطى درسا حقيقيا فى معنى دولة القانون التى اعتادت دولتنا عدم احترامها، فقد التزموا جميعا بترشيح رئيس الجمهورية رغم معارضتهم للقانون ومبدأ تدخل السلطة التنفيذية فى اختيار رؤساء الهيئات القضائية وقرروا الطعن على القانون وعلى الترشيح، وأعلن المستشار الدكرورى أنه سيقدم تظلماً لرئيس الجمهورية.
يقيناً رد فعل مجلس الدولة يعطى لنا درسين، الأول أنه عملياً لا يوجد فى مصر شىء اسمه على قلب رجل واحد، والثانى أن أى معارض لأى قانون مهما كانت درجة رفضه له عليه الالتزام به أولاً احتراماً لمعنى دولة القانون، والعمل على تغييره ثانياً بكل الوسائل السلمية والقانونية الممكنة.