بداية نهاية رعب الإرهاب!
بقصد أو بدون قصد، ربما يكون دونالد ترامب قد وضع يده على الحقيقة الإرهابية عندما أشار إلى الخطوات التى اتخذتها دول عربية وإسلامية، وفى مقدمتها الدول الخليجية ومصر، تجاه دولة قطر، باعتبارها بداية النهاية لرعب الإرهاب. الأمر فى أوله يحتاج تحريرا لواحدة من ظواهر العنف الكثيف والمستمر والمستدام، حتى إننى وآخرين أطلقنا عليه تعبير «الحرب العالمية الثالثة»، التى على الأرجح بدأت منذ هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن، ومن الجائز أن تكون هذه الحرب قد بدأت قبل ذلك استنادا إلى عمليات إرهابية كثيفة فى بلدان أخرى، ولكن الثابت أن هذه الحرب بدأت رسميا منذ أعلنتها الولايات المتحدة كذلك وتحركت مع جيوشها وأساطيلها وحلفائها وشبكات مخابراتها وأدوات دعايتها فى قارات العالم الست من أجل كسب هذه الحرب. الحرب هكذا استمرت ستة عشر عاماً، أو ثلاثة أمثال الحرب العالمية الثانية تقريباً، وحتى إعلان الرئيس الأمريكى المشار إليه، فإن أحدا من الرؤساء السابقين عليه لم يبشر ببداية النهاية. ورغم بوادر الانتصار البادية من تحرير الموصل وحصار الرقة، وأوان ذويان «دولة الخلافة»، فإن التفاؤل لم يبدُ مبررا، والولايات المتحدة تزيد غرس أقدامها فى الأوحال الأفغانية تحت ضغط طالبان، ولن ينسى أحد أن التحالف العالمى الإقليمى- المكون من عشرات الدول، عظمى وكبرى وأعضاء وغير أعضاء فى حلف الأطلنطى- استغرقت قوته المجتمعة ثلاث سنوات حتى نصل إلى هذه النقطة، عبر جثث وجرحى ونازحين ولاجئين وتقسيم فعلى لسوريا وافتراضى حتى الآن للعراق. وما لا يقل خطورة أن كثافة العمليات الإرهابية تصاعدت خلال الفترة الأخيرة من مانشستر إلى المنيا إلى لندن إلى نوتردام فى فرنسا، وباستخدام أدوات تعتمد على أسلحة أو مفرقعات أو عربات أو سكاكين أو بتركيبة من كل ذلك.
الحرب من هذا النوع ليست كلاسيكية، ولا هى معروفة فى التاريخ الإنسانى، الإرهاب كان دائما إقليميا يرتبط بإقليم معين، وبسبب عرقى أو طائفى أو مذهبى ضد سلطة سياسية، وينتهى دوما إما بزوال أسبابه أو بزوال الإرهابيين نتيجة توازن القوى المفقود بينهم وبين السلطة أو السلطات السياسية. ولكن إرهاب الحرب الثالثة عالمى، واستفاد كثيرا من «العولمة» الاقتصادية والتكنولوجية، ومن ثَمَّ بات قادرا على الانتقال من مسرح عمليات إلى آخر، والإحلال والتبديل بين المنخرطين فيه. وفى السجل المصرى فإن هناك قضايا للعائدين من أفغانستان، والعائدين من الشيشان، والعائدين من البوسنة، والعائدين من ألبانيا، ولابد أنه فى سجلات دول كثيرة فى العالم مثيل لكل ذلك. مثل هذه الحالة تجعل تعريف النصر والهزيمة من الصعوبة بمكان، صحيح أن الجماعات الإرهابية فشلت فى تحقيق أى من أهدافها، والظاهر أن محاولتها لإنشاء دولة الخلافة فشلت هى الأخرى، وكذلك محاولاتها لتكرارها فى مناطق أخرى. ولكن استمرار الإرهاب يظل دليلاً على أن الفشل ليس كاملا، وأن الحلم بالنصر على العالم كله يمكن أن يظل قائما حتى يوم آخر.
ما جعل الإرهاب يستمر كل هذه الفترة قام على أمرين: أولهما: أن فكر الخوارج بدا جذاباً لكثير من المسلمين فى مناطق كثيرة من العالم، بينما ارتجّ الأمر على المؤسسات الدينية بين مقاومة أيديولوجية مريضة وفاشية، والخوف على الإسلام نفسه من أن يكون «الإرهاب» ذريعة فى يد عداوات تاريخية ضد الإسلام، كما ارتجّ الأمر على آخرين خوفاً من أن الإرهاب قد يكون ذريعة ضد «المقاومة». وثانيهما: أن العالم الغربى والليبراليين فيه وخارجه تعلقوا بشدة بنظرية «الأسباب الجذرية» التى أسندت الإرهاب ليس إلى الإرهابيين، وإنما إلى البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية غير المواتية، التى ينبغى إصلاحها وإعادة هندسة مجتمعاتها ونظمها حتى يختفى الإرهاب. وحينما جاء «الربيع العربى» بدا كما لو كانت الفرصة متاحة لفعل ذلك، فكانت نتيجة انتهازها تدمير دول بأكملها، وتعريض أخرى لخطر بالغ، وفى كل الأحوال تقديم دعم وزخم كبير للإرهاب بعد قتل الدول المراد إنقاذها.
ومن الجائز أنه عندما يُكتب تاريخ هذه المرحلة، فإن بداية النهاية الحقيقية كانت فى مصر، ليس فقط حينما تمت هزيمة المشروع الإرهابى لحكم مصر عن طريق «الإخوان المسلمين»، وإنما عندما انطلقت الدعوة إلى ضرورة تجديد الفكر الدينى. ولكن المعركة المصرية كانت ومازالت جزءا من معركة عالمية أكبر باتت تهدد حركة «العولمة» وتخلق زلازل فى حركة التجارة والمواصلات الدولية. من هنا كان انعقاد المؤتمر الأمريكى الإسلامى فى الرياض، والطرح الذى طرحه الرئيس السيسى فى المؤتمر لتجفيف منابع الإرهاب، التى تقع فيها الرعاية والتموين والتمويل والدعاية والتجنيد. تطبيق هذه الاستراتيجية بدأ من قطر، ولكنها لن تنتهى عندها، فالأصابع الآن ممتدة إلى تركيا، كما أن دولة مثل بريطانيا باتت تدرك- على لسان رئيسة وزرائها، تريزا ماى- أن الدولة كانت متسامحة ومتساهلة مع الإرهاب والإرهابيين، وبعدها انتشرت تعبيرات مماثلة جاءت من فرنسا وألمانيا.
ما حدث من دول الخليج ومصر إزاء دولة قطر لم يكن محض «خناقة» عربية تقليدية ومعتادة يجب عبورها بالتوافق والتراضى بين القبائل، فالخلاف لا يتعلق بأرض، ولا بأسعار النفط، ولا بارتفاع مفاجئ فى قوة قطر يُخشى منه، ما جرى فى جوهره جزء مهم من استراتيجية تأخرت كثيرا لدحر الإرهاب، والبناء على الإنجاز الذى حققته مصر فى 30 يونيو منذ أربع سنوات.