حكاية بطل هجوم سيدني.. "أحمد الأحمد" يقدم "درسًا عالميًا في الإنسانية"

في لحظة استثنائية من الشجاعة الإنسانية، حوّل أحمد الأحمد، الأسترالي من أصول سورية، مجرى هجوم دموي على شاطئ بوندي بسيدني، عندما اندفع بلا تردد نحو مسلح وانتزع منه سلاحه رغم تعرضه لإطلاق النار عليه عدة مرات، ليصبح الرجل البالغ من العمر 43 عامًا، والأب لطفلتين، حديث العالم بعد موقفه البطولي الذي أنقذ أرواح عشرات الأشخاص في هجوم أسفر عن مقتل 16 شخصًا على الأقل من اليهود الذين تجمعوا للاحتفال بعيد الحانوكا، وفق ما نقلته صحيفة "ذا جارديان" البريطانية.

موقف إنساني في قلب المأساة

كان "الأحمد" يحتسي القهوة مع صديق له عندما سمع أصوات الرصاص تدوي في المكان خلال احتفال الحانوكا، مساء الأحد، ولم تمض سوى لحظات حتى اتخذ قراره الحاسم.

ابن عمه مصطفى الأسعد، الذي التقاه في المستشفى، روى تفاصيل ما دار في ذهن البطل السوري: "عندما رأى الناس يموتون وعائلاتهم تُقتل بالرصاص، لم يستطع تحمل المشهد. قال لي: الله أعطاني القوة، وآمنت بأنني سأوقف هذا الشخص عن قتل الناس".

لقطات مصورة من موقع الحادث أظهرت الأحمد وهو يندفع نحو أحد المسلحين ويقفز عليه، ثم يصارعه بشراسة حتى نجح في انتزاع السلاح من يديه، إلا أن هذه البطولة كان لها ثمن باهظ، إذ تعرّض لإطلاق النار أربع إلى خمس مرات في كتفه، بحسب ما أكده والداه محمد فاتح الأحمد لشبكة ABC الإخبارية الأسترالية.

بين غرفة العمليات والإشادات العالمية

لا يزال الأحمد في حالة حرجة لكنها مستقرة بمستشفى سانت جورج في سيدني، إذ خضع لعملية جراحية أولى ويحتاج إلى عمليتين إضافيتين.

ابن عمه، الذي زاره في المستشفى، قال إن الأحمد تلقى كمية كبيرة من الأدوية ولا يستطيع التحدث بشكل جيد حاليًا، رغم ذلك، نقل عن ابن عمه قوله: "لا أندم على ما فعلته، وأنا فخور جدًا بإنقاذي ولو حياة واحدة فقط".

موقف الأحمد الاستثنائي لفت انتباه أعلى المستويات السياسية في أستراليا والعالم، إذ أفرد له رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي حيزًا خاصًا في مؤتمر صحفي اليوم الاثنين، واصفًا إياه بنموذج "الأستراليين وهم يتكاتفون معًا"، وقال وفق "ذا جارديان": "أحمد الأحمد نزع السلاح من المعتدي رغم المخاطر الجسيمة على نفسه، وأصيب بجروح خطيرة نتيجة ذلك، ويخضع حاليًا لعمليات جراحية في المستشفى".

كما زاره رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز كريس مينز في المستشفى، ونشر على حسابه في إنستجرام: "الليلة الماضية، شجاعته المذهلة أنقذت بلا شك أرواحًا لا تُحصى عندما نزع سلاح إرهابي بمخاطرة شخصية هائلة. لا شك أن أرواحًا أكثر كانت ستُفقد لولا شجاعته والنكران الذات".

حتى الرئيس الأمريكي أشاد بموقفه البطولي، ما جعله يحظى بشهرة عالمية في أقل من يوم.

رحلة من سوريا إلى أستراليا

تشير صحيفة "ذا جارديان" إلى أن جذور هذا البطل تعود إلى مدينة إدلب السورية، إذ خدم في صفوف الشرطة قبل أن يهاجر إلى أستراليا في العام 2006 ليحمل الجنسية الأسترالية.

عاش سنوات طويلة بعيدًا عن والديه حتى جاءا إلى سيدني من سوريا أخيرًا قبل أشهر معدودة فقط، لتعود العائلة للاجتماع مجددًا بعد فراق مرير.

كشفت والدته لشبكة ABC الأسترالية عن اللحظات الصعبة التي مرت بها حين بلغها خبر إصابة ابنها، فقالت بصوت مخنوق بالدموع إنها أخذت تلطم وتبكي بحرقة.

وأضافت أن ابنها شاهد الضحايا وهم يسقطون أرضًا ويلفظون أنفاسهم الأخيرة، فلم يتمالك نفسه وانتظر حتى نفد رصاص القاتل ثم انقض عليه وخطف منه السلاح، لكنه دفع الثمن غاليًا بإصابته البالغة، وختمت بدعواتها المتواصلة أن يشفيه الله ويعافيه.

والده بدوره تحدث عن طبيعة ابنه العميقة وحسه الإنساني الفطري، مؤكدًا أنه يحمل روح المدافع عن الضعفاء والمستضعفين منذ صغره.

وأوضح والد البطل السوري أن ابنه لم يتوقف لحظة واحدة ليسأل نفسه عن هوية من يحاول إنقاذهم أو خلفياتهم أو انتماءاتهم، فهو يرى البشر متساوين تماماً في حقهم بالحياة والحماية، خاصة في مجتمع أسترالي متنوع لا يفرق بين إنسان وآخر بسبب أصله أو لونه.

 

التعليقات