بعد تجاوز الدولار لـ"حاجز الخمسين".. متى يتخلَّص الجنيه من الضغوط ويعاود الارتفاع؟

شهد سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري ارتفاعًا كبيرًا، حيث أنهى تعاملات الأسبوع الماضي عند مستوى قياسي يقترب من حاجز 51 جنيهًا للدولار.

ومنذ بداية شهر ديسمبر الجاري ارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري بشكل ملحوظ بقيم تراوحت بين 114 قرشًا و126 قرشًا، في مختلف البنوك، ليقترب من مستوى 51 جنيهًا لأول مرة في تاريخه، داخل السوق الرسمية.

ويرى خبراء أن الجنيه قد يعود للارتفاع خلال الفترة المقبلة إذا تحققت مجموعة من العوامل الاقتصادية الهامة.

قال عضو مجلس إدارة البنك المصري الخليجي، محمد عبدالعال، إن العوامل الرئيسية التي ساهمت في ارتفاع الدولار تشمل التوترات الجيوسياسية، خاصة في سوريا، إلى جانب إغلاق الشركات لمراكزها المالية مع نهاية العام.

عبدالعال أضاف أن هذا الأمر يزيد الطلب على الدولار بشكل كبير، بالإضافة إلى الالتزامات المالية المرتبطة بأذون الخزانة ومدفوعات الدين، ما زاد الضغط على العملة المحلية.

وأضاف أن التوترات الجيوسياسية تؤثر على معنويات مستثمري الأموال الساخنة، ما يدفعهم للخروج من السوق المصرية، وهو ما يضعف الجنيه، مشيرًا إلى أن قوة أداء مؤشر الدولار عالميًا، بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، أثرت سلبًا على عملات الأسواق الناشئة، بما فيها الجنيه المصري.

وتوقّع عبدالعال أن يتحرك سعر الدولار في نطاق 50 إلى 50.75 جنيه بنهاية العام، في ظل استمرار الضغط الناتج عن الطلب المرتفع على العملة الأمريكية، مشيرًا إلى أن قرب موسم رمضان، وزيادة استيراد التجار للبضائع، سيزيد من الطلب على الدولار في الأسابيع المقبلة.

نائب رئيس البحوث الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "جولدمان ساكس"، فاروق سوسة، أشار إلى أن الجنيه قد يبدأ في استعادة عافيته خلال الربع الأول من العام المقبل، حيث تخطط وزارة المالية لتوسيع إصدار أذون الخزانة طويلة وقصيرة الأجل، ما يُشجع المستثمرين على العودة إلى السوق المصرية ويوفر سيولة دولارية تقلل الضغط على الجنيه.

وأضاف سوسة، أن نهاية العام تمثّل فترة حساسة، حيث يميل المستثمرون لجني الأرباح وإغلاق مراكزهم دون شراء أدوات دين جديدة.

لكن مع تحسن البيئة الاستثمارية، من المتوقع أن تعود تدفقات الأموال الأجنبية تدريجيًا، ما يدعم الجنيه، بحسب وكالة "بلومبرج".

من جانبها، قالت محللة الأصول السيادية لدى "تي رو برايس"، رزان ناصر، إن ارتفاع الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي يخفف من أثر الضغوط على الجنيه.

ووفقًا لبلومبرج، أشارت ناصر إلى أن مصر، رغم العجز الخارجي، تملك الأدوات اللازمة لإدارة هذا العجز، ما يعزز التوقعات بتحسن قيمة الجنيه على المدى القريب.

ناصر رأت أن أدوات الدين المصرية ستظل جذابة لمستثمري الأموال الساخنة بسبب ارتفاع عوائدها، ومع بداية العام الجديد، توقعت عودة بعض المستثمرين الأجانب لشراء أذون الخزانة المصرية، ما سيخفف من وتيرة تراجع الجنيه ويمنحه دعمًا إضافيًا.

تحويلات المصريين بالخارج تشكل أحد أهم موارد العملة الأجنبية، فخلال الفترة من يناير إلى سبتمبر الماضي، سجلت هذه التحويلات نموًا سنويًا بنسبة 42.6%، لتصل إلى 20.8 مليار دولار.

ورأى الخبير المصرفي، الدكتور محمد بدرة، أن استمرار هذه التحويلات عند مستوياتها القياسية يمثل عاملًا حاسمًا في تعزيز قوة الجنيه خلال العام المقبل، مشيرًا إلى أن قطاع السياحة يلعب دورًا مهمًا أيضًا في دعم الجنيه، قائلًا إنه يجب على الحكومة تعزيز الترويج لمصر كوجهة سياحية آمنة وسط التوترات الجيوسياسية، ما يُمكن أن يرفع عائدات السياحة، وبالتالي يعزز تدفق الدولار للسوق المصرية.

وأكد بدرة أن الإصلاحات المدعومة من صندوق النقد الدولي، مثل سياسات مرونة سعر الصرف، تعد أساسية لتعزيز استقرار السوق المصرية، حيث تمنح المستثمرين الأجانب الثقة على المدى الطويل، خاصة مع التزام الحكومة بتنفيذها بشكل مستدام.

وبحسب تقرير "جولدمان ساكس"، فإن توسّع الحكومة في إصلاحات اقتصادية مثل تحرير سعر الصرف وسياسات مرونة السوق قد يؤدي إلى تحسين مناخ الاستثمار. ويرى محللون أن هذا قد يُعيد ثقة المستثمرين الأجانب، خاصة في أدوات الدين، التي تُقدم عوائد تنافسية مقارنة بالأسواق الأخرى.

وتوقع بنك "جولدمان ساكس" أن يتخذ البنك المركزي المصري خطوات لخفض أسعار الفائدة خلال الربع الأول من عام 2025، ما قد يدفع وزارة المالية لإصدار المزيد من أذون وسندات الخزانة، ما سيجذب المستثمرين ويزيد تدفق الدولار للسوق المحلية.

متى يتوقف الضغط على الجنيه؟

توقعات المحللين تشير إلى أن الضغوط على الجنيه ستتراجع تدريجيًا مع بداية العام المقبل، ويعتبر تحسن التدفقات الدولارية، سواء من السياحة أو التحويلات الخارجية، من العوامل الرئيسية التي قد تدعم عودة الجنيه للارتفاع.

 

التعليقات