«السامري» الكاذب


ظهر من رحم بنى إسرائيل، بعد خروجهم من مصر، شخص أقرب ما يكون إلى «النبى الكاذب» الذى استطاع أن يلعب لعبة خداع كبرى امتلك بها عقل من قادهم نبى الله «موسى» إلى النجاة من بطش فرعون مصر.. إنه «السامرى».

كان «موسى» قد ذهب لميقات ربه حتى يتلقى منه التوراة، وعهد إلى أخيه «هارون» برعاية مَن معه من بنى إسرائيل. ورغم ما تميز به «هارون» من إيمان عميق بالله وحكمة وحصافة جعلت موسى يطلب من الله أن يصحبه معه حين أمره بالذهاب إلى فرعون، إلا أنه افتقر إلى القوة والقدرة على السيطرة التى امتاز بها «موسى».

خرج بنو إسرائيل من مصر ومعهم حلى أقباطها، وقد كان من عادتهم أن يستعيروا الحلى منهم، ما يدلك على أن أفراد الشعب العاديين من أهل مصر لم يكن لديهم مشكلة فى التعامل مع الأغيار، وأن العلة كانت فى موقف فرعون مصر منهم. نظر «السامرى» إلى «زينة المصريين» وأيدى بنى إسرائيل تتناولها، فعزم فى نفسه على أمر، إذ طلب من كل من لديه حلى خاصة بالأقباط أن يأتيه بها، ليصنع لهم إلها مجسداً، ولعلك تعلم أن بنى إسرائيل سبق أن طلبوا من «موسى» بعد الخروج أن يصنع لهم إلهاً، مثل غيرهم من الأقوام الوثنيين.. يقول تعالى: «وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ».. ويدلك ذلك على أن دعوة التوحيد لم تكن قد تمكنت من قلوب بنى إسرائيل بعد، وأن عدوهم وراء «موسى» لم يكن مرده الإيمان، قدر الرغبة فى النجاة من ضغوط فرعون عليهم.

كان «السامرى» قد شاهد أمين الوحى جبريل وهو يُغرق فرعون وجنوده فى البحر، فهرول وراء فرسه وقبض قبضة من أثر ركضه على التراب، واحتفظ بها، ثقة منه بأن فيها سراً قادراً على صناعة المعجزات، وعندما دعا بنى إسرائيل إلى جمع ما استولوا عليه من حلى الأقباط المصريين صنع منها عجلاً، ثم قذف بأثر فرس أمين الوحى فيها، فإذا بالعجل الذهبى يتحول إلى عجل حقيقى جسد له خوار: «فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِىَ».

تحلق بنو إسرائيل حول العجل، وأخذوا يرقصون فرحين، والإشارات التى تشتمل عليها آيات القرآن الكريم تؤشر إلى أن العجل كان حقيقياً «جسداً له خوار»، لكن بعض المفسرين يذهبون إلى أنه لم يكن كذلك، بل كان مفتوحاً من مقدمته ومؤخرته، وكانت الريح تمر منه فيصدر عنه صفير يشبه خوار الثور.

عاد نبى الله «موسى» فوجد بنى إسرائيل قد ضلوا وعبدوا العجل من بعده، فغضب غضباً شديداً، وأمسك بأخيه «هارون» من لحيته ورأسه معاتباً، فتعلل الأخير بخشيته التفرقة بين بنى إسرائيل، وتعلل بنو إسرائيل بالسامرى الذى أضلهم بعد هدى، وما كان من موسى بعدها إلا أن أعاد قومه إلى رشدهم، وحكم على «السامرى» الكاذب بالطرد.

تظل قصة السامرى عنواناً على الأفاقين والكذبة فى كل العصور، وهم جزء من أقدار الله فى هذه الحياة. إنهم يستطيعون خداع الناس لبعض الوقت، لكن سرعان ما ينكشفون.

المقال / د محمود خليل 

الوطن 


 

 

 

التعليقات