المشكلة ليست غادة وحدها
من المؤسف أن يرتبط اسم فنانة شابة في مقتبل حياتها بتهمة السرقة ، وأقصد هنا فنانة الجرافيك غادة والي ، التي شغلت قضيتها الرأي العام للمرة الثانية وللعام الثاني على التوالي مع الفنان الروسي جوركي كوراسوف ، حين استخدمت لوحاته في أعمال عرضت بمحطة مترو كلية البنات ، وقامت شركة مترو الأنفاق برفعها فور انتشار الخبر ، وبدلا من حل المشكلة الأولى جددتها في مشكلة جديدة باستخدام رسم آخر للفنان على إحدى معلبات شركة مياه غازية، ومن الواضح أن هناك من يتتبعها ويرسل للفنان ما تقتبسه منه ، وبالتالي عادت القضية للأضواء مرة أخرى!
كما انه من المؤسف أيضا ألا تجد من يدير لها أزمتها بشكل جيد لتمر منها بأقل خسائر، فأجرت حوارا على قناة MBC مصر ، بدلا من أن تستغل فرصته لتدافع فيه عن نفسها حولته إلى سلاح ضدها ، وبدلا من أن يكون توضيحا لموقفها أصبح إدانة لهذا السلوك الغريب ، خاصةً أن محاميها الخاص حاول من قبل أن يجعل الأمر يبدو كمؤامرة ، بل وأضفى عليها بعدا سياسيا خاص باختلاف أسرة غادة مع جماعة الإخوان، وهو ما يشترك فيه معظم المصريين .
في المقابل خرج الفنان الروسي كوارسوف بكلمات غاية في البساطة والتركيز من خلال قناة العربية مصر وخلفه لوحاته التي تعبر عن أسلوبه الفني الخاص ، وقد قال انه يريد توضيح بعض النقاط الغامضة ردا على حديث غادة ، وقال إن الشهادة التي قدمها صادرة من وزارة الثقافة الفيدرالية الروسية، والتي تثبت حقوق الملكية الفكرية للوحاته التي ظهرت في أعمال الشركة الفرنسية التي تعمل غادة لصالحها ، وتناول الرسالة الرقيقة التي وصلته من السفارة المصرية في موسكو ، كتبت بلغ شديدة الاحترام ( حسب وصفه ) تطلب مناقشة الموضوع ، والتي اعتبرها بمثابة اعتذار .
أمر مؤسف كما ذكرت في البداية أن يحدث هذا لفنانة في مقتبل عمرها الذي لم يتجاوز الثالثة والثلاثين ، والتي حققت نجاحا مصريا وعالميا في فترة وجيزة أن يقترن اسمها بواقعة كتلك وهو ما يعد ( لو صح ) انتهاكا لحقوق الملكية الفكرية للفنان الروسي.
لكن الأهم في كل تلك القضية هو ضياع مفهوم أبسط الحقوق ، وهذا يحدث ليس في المجال الفني فقط ، ولكن في كل مجالات البحث العلمي والأدبي والفني ، لكن الأغرب انه في كل تلك المجالات وغيرها هناك علماء وأساتذة كبار وخبراء يجب أن تتم الاستعانة بهم وبخبرتهم الكبيرة ، وهناك جهات علمية وفنية وأكاديمية يمكن الرجوع لها ، لكن من الواضح أن هناك انعزال تام بين الشركات التي تعتمد على هؤلاء الفنانين والقيم التي تتبعها في مثل تلك الأحوال، وبين الأصول الأخلاقية والعلمية والقانونية المتعارف عليها .
الحقيقة أن غادة والي ليست هي وحدها المخطئة في هذه الواقعة ، لكن من المؤكد أن من علمها فن الجرافيك لم يعلمها القواعد الأخلاقية للفن قبل أن يعلمها الفن، وأن من مرر أعمالها لم يهمه من الأمر سوى ملء الفراغات وليس القيمة ، وأن من دفعها أو وافقها على الدفاع عن خطأ ارتكبته قد أساء إليها قبل أن يرد اعتبارها .
من هنا فان المشكلة الأساسية هي مشكلة ضياع الأصول والقواعد والثوابت والقيم التي تُبنى عليها المجتمعات ، وتلك هي المشكلة الحقيقية وما فعلته غادة هو مجرد نموذجا بسيطا للفوضى التي يشهدها هذا العصر .
المقال / اميرة خواسك
الوطن