«المصري» وسره الباتع

تجربة الدراما الأولى للمخرج خالد يوسف في مسلسل "سره الباتع", الذي صرح انها ستكون الأخيرة، بالتأكيد تستحق التوقف والتقييم.

أبرز الروابط التي تذكر المشاهد بمدرسة الإخراج التي يعتبر خالد يوسف أخلص وأقرب التلاميذ الى استاذها المبدع يوسف شاهين اختيار اعمال الاديب الكبير يوسف ادريس - شاهين في فيلم حدوثه مصرية المأخوذ عن فكرة لادريس.

شغف النسيج بين احداث عاشها شاهين في سياق سيناريو الفيلم استحضرها خالد يوسف في مشهد محاولة اقتحام المتحف المصري اثناء احداث 25 يناير 2011 وقيامه مع مجموعة كبيرة بتشكيل سور لحماية المتحف.

التميز الادبي الرائع في رواية "سره الباتع" يكمن في خلق رابط متناسق بين الحقيقة او الواقع من طرف، وبين قناعات ومعتقدات من الموروث المصري.. صلة المصريين الروحانية بالأولياء والاضرحة.. مع حقبة تاريخية تستعرض المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي. هذا الجمع بين نقيضين يكشف الاسرار البالغة التعقيد عن تركيبة الشخصية المصرية.

رؤية خالد يوسف في معالجته الدرامية للرواية تقيم بعيدا عن المواقف الشخصية تجاه المخرج او اعتباره فيلم وثائقي تاريخي، فقد صاغ عمل مميز عن نص رائع، أبرز عناصر المزج الدرامي للماضي بالحاضر والتنقل بين الحقبتين بسلاسة وتماسك لا يخدشان الحبكات الدرامية للعصرين.

خالد يوسف نجح بحرفية شديدة في صياغة السيناريو مع حركة الكاميرا ما خلق توازن بين الموروث الشعبي وحقائق حدث تاريخي هو الحملة الفرنسية على مصر.

معالجة وسيناريو خالد يوسف للرواية ضمنت اسقاطات هامة على واقع معاصر عاشته مصر عام 2011.. تركيبة الشعب المصري لم تلفظ فقط التدخلات الأجنبية التي توالت على مصر عبر التاريخ، لكنها أيضا اقصت كل المعتقدات الغريبة عن نسيج الشخصية المصرية، كما جاء على لسان "معتصم" النائب الاخواني اثناء اعداد حملته الانتخابية حين يشير الى الشعب بصيغة "المصريين" في تأكيد على ان الجماعة تتنصل من انتمائها لمصر، وهو ما ورد كثيرا في تصريحات قادة جماعة الاخوان.

يذكر لخالد يوسف أيضا كشفه ضمن الخيوط الدرامية المتعددة للمسلسل الانتهازية التي تعامل بها الاخوان مع حماس الشباب في التعبير عن مطالب محددة في 25 يناير 2011.. الخسة والخبث التي اتبعوها لاستغلال حراك يرفع مطالب في محاولة احداث وقيعة بين الشعب والجيش والشرطة.

اسقاط خالد يوسف في معالجة السيناريو من التاريخ الى الحاضر على حقيقة ان مصر التي طمعت خيراتها وموقعها الاستراتيجي الغزاة عبر التاريخ رفضت هيمنة مطامع جماعة متطرفة وفرض معتقدات غريبة عن ثوابت شعبها الدينية.

من اقوى عناصر المسلسل ابداع مدير التصوير سامح سليم، تحديدا في لوحاته البديعة لمشاهد المعارك والمجموعات، أيضا استخدام الإضاءة بتقنية عالية نقلت المشاهد الى أجواء مختلف المراحل التي تنقل بينها المسلسل. التنسيق بين طبيعة كادر المشهد في عمل درامي والنسق السينمائي الذي اعتمده خالد يوسف في الإخراج ما أتاح له مساحة أكبر لاستعراض ازمنة وشخصيات ومواقع تصوير مختلفة.

استخدام الرموز لم يشوبه التعقيد، بوضوح طرحها خالد يوسف في معالجته للرواية سواء بالتصريح او التلميح.. رسالة ان مصر ولادة ولا سبيل لكسر روح المقاومة عند رجالها وسيداتها ضد كل من يضمرون لها الشر، كما اظهر مشهد زرع السلطان حامد اصبعه في الأرض ليظهر مئات البدلاء على هيئة السلطان حامد.

الربط الدرامي بين شخصية السلطان حامد التاريخية في المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي ومقاومة شخصية حامد في الزمن المعاصر بعد 2011 لكل المؤامرات التي حاولت جماعة الاخوان تدبيرها ضد مصر. أخيرا، رغم بعض الملاحظات التي وردت عن العمل.. يبقى الخط الدرامي الأساسي هو انتصار المصري عبر تاريخه للوطن دائما.

المقال / لينا مظلوم

الوطن

التعليقات