اليوم عندما اعود بالذاكرة سنوات لتلك اللحظة التي قابلتني فيها بوجهك البشوش وابتسامتك الطيبه وأنصت لي بكل حب واهتمام وانا شخص مجهول في ذلك الوقت لا يعرفني أحد ثم تهتم بكلامي .. وتبدي إعجابك .. وتتحمس لاقتراحي بكل كيانك كشاب في العشرين ليظهر حينها للوجود كيان سياسي - مات للاسف مبكراً- اسمه " الكتلة المصرية " .
كان ذلك في تلك الايام المجيدة التي عشتها معك " ياصديقي" في أعقاب ثورة ٢٥ يناير ، ومن بعدها صرت أفخر وأعتز بصداقتنا التي استمرت نموذجاً لعلاقة مثالية جسدت فيها بالنسبة لي الاب .. والاستاذ .. والصديق .. والنموذج المحترم في كل شئ ، في الوطنية وفي العمل السياسي وفي الفكر والثقافة ، والاهم من هذا كله قدرتك الفذة على حب الناس وإكتساب حب الناس لك .
وعندما رأيتك يوم ١٧/١١/٢٠١٩ ، وأنت تتحدث بطلاقة موسوعية عن الفن بمناسبة كتابك الجميل عن مقتنياتك وذكرياتك مع كل لوحة ، أعترف لك بأني سرحت بعيدا أحاول تركيب ملامح صورتك الكاملة التي ربما لايعرفها عنك كل الناس ، فالبعض قد لايراك الا طبيباً مرموقاً ، وهناك من يعرفك ناشطاً سياسياً فحسب ، وآخرون يعرفوك زعيماً ورئيس حزب تقدمي ، وربما يراك قراء الصحف كاتبا ومفكراً مستنيراً ، ويراك عشاق الموسيقى متذوقاً وخبيراً بالموسيقي الكلاسيكية حتى أن إبنتي فاطمة دائماً ماتحب أن تراك في حفلاتها لتستمتع بحضورك وثقافتك وتشجيعك .ولكني في هذه اللحظة التي طاف فيها خيالي محاولا تجميع عناصر شخصيتك الأخاذة ، رأيتك تحتضن كل هذه المعرفة الانسانية وكل هذا التاريخ الحضاري لمصر والعالم لتقدم لي ولجيلي ولكل الاجيال نموذجاً فذا لانسان يعتبر بحق ثروة قومية لبلاده ومثالا يحتذى وحكاية عظيمة تستحق أن نرويها لأبنائنا .
وعلى الرغم من أن الايام والظروف والاحباط العام قد يباعد بيننا أحيانا ، الا أني دائما ما أجدك عندما أحتاج إليك صديقا أفضفض معه ، والاخ عندما أبحث عنه والاب الذي أجد عنده الاجابة والنصيحة والطمأنينة التي أفتقدها .
وعندما كنت انصت لكلامك في هذا اليوم عن الفن وعن ثروتنا من الفنانين العظام جيلاً بعد جيل ، أدركت أنك عندما كنت تشترى لوحاتك القيمة كنت تسعى في المقام الاول لتشجيع الفنان ودعم الحركة الفنية ، كان عملا ثقافيا وطنيا نبيلا لايعتبر الفن تجارة ولا الاقتناء اكتناز لثروة ولكنك كنت تفعل ذلك استثمارا في الفنان وفي انسان المستقبل .
ياصديقي .. انا اليوم عندما أقول لابنائي انك اعظم قدوة لكل عاشق للوطن وللخير والجمال ، فأنا أعتبرك شخصياً مثلي الاعلى ، ولكن كيف استطيع يوماً أن أبلغ ما بلغته أنت من معرفة وثقافة وآفاق انسانية رحبة إستحققت عليها كل هذا الحب الكبير من كل الناس .