ماذا حدث للثقافة العلمية فى مصر؟
الثقافة العلمية فى مصر صارت من العورات التى نخجل من نشرها مجتمعياً وإعلامياً وفنياً.. إلخ، لا يوجد محرر علمى متخصص، لا يوجد برنامج يقدم الثقافة العلمية على شاشاتنا، ميزانية البحث العلمى ما زالت متواضعة، المعنى نفسه يعبر عنه صديقى د. سامح كامل مرقس، أستاذ الأشعة التشخيصية بجامعة شيفيلد بالمملكة المتحدة، فى كتاب «كلام فى العلم»، وهو كتاب جديد قيد النشر، وأتوقع صدوره فى ٢٠٢٠، وهو كتاب فى غاية الأهمية، أقتبس من مقدمته تلك العبارات الدالة، وذلك الجزء الذى يدق ناقوس الخطر من جراء ما حدث من تجريف للعقل النقدى والثقافة العلمية فى مصر، يقول د. سامح:
الفكرة الأساسية للتنوير هى تحرير العقل عن طريق المعرفة، التنوير يعادى التعصّب الفكرى ويقلل التحيّزات الشخصية المسبوقة، وأيضاً يتطلب فحص اعتقاداتنا المفضلة بالالتزام النقدى نفسه، الذى نمارسه مع الأفكار التى نعاديها.
الثقافة العلمية اهتم بها رواد التنوير فى مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين، مثل شبلى شميل وسلامة موسى، للأسف هذه الثقافة اختفت فى العقود الأخيرة من تاريخ وطننا العزيز، شبلى شميل كان من أول الكتاب فى الشرق الذين قدّموا نظرية داروين للتطور بشجاعة فى مجتمع محافظ ومنغلق على أفكار العلم الحديثة، سلامة موسى اهتم أيضاً بنظرية داروين التى كان لها تأثير كبير على أفكاره، وحاول توصيل فكرة التطور من خلال كتابة مقدمة السوبرمان، لم يخشَ سلامة موسى من نقد التفكير الغيبى وعمل بنشاط على نشر العلوم الحديثة، كانت ندواته الثقافية فى جمعية الشبان المسيحيين كل مساء خميس منبعاً للتنوير، يحضرها عدد كبير من شباب الوطن المسيحيين والمسلمين واليهود والبهائيين.
فى العقود الأخيرة من القرن الماضى عبّر الفيلسوف العظيم الدكتور زكى نجيب محمود عن تغلب الوجدان على العقل فى مجتمعنا المصرى فى كتابه المهم «قصة عقل» بقوله: «إن فى تركيبتنا الثقافية نرى أن العقل وحده لا يكفى سنداً للإنسان فى حياته»، هذا الشعور بعجز العقل وقصور العلم لا يوجد له نظير فى شعوب العالم المتقدم، حتى المثقفون فى شعوبنا تميل نفوسهم نحو التشكك فى العقل الإنسانى وقدرته. هذا الاتجاه الفكرى قوامه عناصر كثيرة أهمها التمسّك بالعرف والتقاليد. للأسف نعيش فى مجتمع على عداوة حادة مع العقل، وعلى كل ما يترتب على العقل من علوم، ومن منهجية ودقة التخطيط والتدبير.
يجب التفرقة بين مجالين، مجال لا يصلح له إلا العقل، ومجال آخر من حق المشاعر أن تشتعل فيها ما شاءت لها حرارتها.
وحديثاً تعرض الكاتب المثقف نبيل عبدالفتاح فى مقاله «العالم الذى لم نعد نعرفه» بجريدة «الأهرام» ٣١ يناير ٢٠١٩، لمشكلة الابتعاد عن الثقافة العلمية فى مجتمعاتنا الشرقية فى مقاله بجريدة الأهرام المصرية:
«لم يعد ممكناً الصمت أو التواطؤ أو المجاراة أو التسامح، مع تدنى وتراجع أوضاع المعرفة والوعى النخبوى والجمعى المصرى، بما يجرى فى عالمنا من تطورات كبرى. ما الذى حدث لنا؟ تخلفنا تاريخياً وتراجعنا كثيراً عن عالمنا، لم تعد أسئلة النهوض تشاغلنا كما كانت منذ نهاية القرن التاسع عشر، واهتم بها رواد النهضة المصرية والعربية، الذين طرحوا سؤالاً: لماذا تخلفنا؟ ولماذا تقدموا؟ لم يعد السؤال مطروحاً، بل لم نعد نطرح أسئلة، لأن ثقافتنا لم تعد ثقافة الأسئلة، وإنما ثقافة البداهات، واليقينيات، والحتميات والقدريات والميتافيزيقا».