هل تذكرون «منار» التى قتلها عار الإيدز؟
منذ عام بالضبط، وفى نهاية ٢٠١٧، انتحرت «منار» بنت العشرينات القاطنة فى بولاق الدكرور بالقفز من الدور الخامس، هل تذكرونها؟، سأذكركم فى اليوم العالمى للإيدز بـ«منار»، التى لم يقتلها الإيدز، لكن قتلتها النظرات والكلمات وإحساسها بالعار، صوت ارتطام على رصيف متهالك، صرخة مكتومة تعقبها نافورة دماء، الجالسون على المقهى المقابل يشيرون إلى الجثة «باين عليها منار.. رمت نفسها من الدور الخامس»، ثم واصلوا شُرب الشيشة ولعب الدومينو، سارعت جارتها بتغطية جسدها العارى بصفحات الجورنال، كان المانشيت «حبس مطربة كليب «عندى ظروف» سنتين بتهمة خدش الحياء»!!، تقرير النيابة مكتوب فيه «انتحار»، تقرير مستشفى بولاق الدكرور يُعدّد الإصابات، ويشير إلى أن سبب الموت «تهشّم الجمجمة ونزيف حاد أعقبه هبوط وتوقف فى عضلة القلب»، توقف القلب فى مجتمع بلا قلب. «منار» بنت الأربع وعشرين سنة، الأم لطفلين، ألقت بنفسها من سطوح العمارة فى بولاق، وكأنها تُلقى بكل همومها فى هذا الشارع القاسى المزدحم بضباع البشر، «جوزك سرنجاتى يا منار.. عنده إيدز وأكيد نقلهولك.. واحنا ناس نعرف ربنا ومانحبش الحرام، لازم انتى وجوزك وعيالك تسيبوا الحتة بكرة بالكتير»!!، وقع الخبر كالصاعقة على «منار»، مطلوب منها الرحيل إلى المجهول والهجرة إلى العدم، حضر زوجها المدمن مبكراً، وأخذ الطفلين وذهب عند أمه، تشبّثت بالمكان ورفضت الرحيل، اجتمع الضباع المتديّنون بالفطرة حول الفريسة المقهورة بالفطرة، الزوج يضربها يومياً، ثم يطلب حقه الشرعى بعد «العلقة»، تعاشره حتى لا تلعنها الملائكة، ينتقل إليها فيروس الإيدز رغماً عن رضاء الملائكة عنها، الحل كان فى الانتحار، اجتمع الجيران حول الجثة، يمصمصون الشفاه «يا خسارة ماتت كافرة»، هل «منار» هى الكافرة، أم أن المجتمع هو الكافر؟، هل «منار» هى مريضة نقص المناعة أم مجتمعها هو المريض بزيادة النطاعة وبنقص الضمير والإنسانية؟، ثقافة متدنية متخلفة تحول المرض إلى وصمة عار، ومجتمع يحارب المريض لا المرض، وأطباء قرّروا أن يتحولوا إلى وعاظ، خلعوا البالطو الأبيض ليرتدوا عباءة رجال الدين، يشمئزون من مرضاهم، وعلاجهم على قدر مقياس ترمومترهم الأخلاقى، طبعاً الأخلاق من وجهة نظرهم ومن درجة حرارة ترمومترهم «الهاند ميد» المزيف الخادع الذى ضميره من زجاج وتعاطفه من زئبق!، أعرف مريضاً أو متعايشاً مع الإيدز ظل يجوب مستشفيات مصر بكسر مضاعف فى عظمة الفخذ لمدة ثلاثة شهور والأطباء ملائكة الرحمة يرفضون علاجه، واضطر فى النهاية إلى تقديم بلاغ ضد وزير الصحة فى النيابة!!، أدعو ليل نهار على من صدّر إلينا ثقافة وفكرة أن الإيدز هو فيلم «الحب فى طابا»!!، الطب يا سادة ليس فيه حب أو كره، فيه محاولة مزمنة لا تعرف المستحيل لعلاج مريض وتخفيف الألم عنه، جسدياً ونفسياً، بين الطبيب والمريض كونتراتو مقدس، أسألك عن السبب فقط، لكى أصل إلى التشخيص، لا لكى أقيمك أخلاقياً، الطبيب يدخلك المستشفى وليست مهمته أبداً أن يدخلك الجنة!!، تلك الأم التى اسمها «منار» لم تنتحر، بل قتلت مع سبق الإصرار والترصّد، قتلها جهل مجتمع وغلظة حس بنى آدمين أو المفروض أنهم «بنى آدمين»، لم تنتحر، بل نُحرت بسكين نظرات بشر تربّوا على أن أكثركم إيماناً أذبحكم للناس وليس أعذركم للناس!، تربّوا على الحشرية والاقتحام، وأكل لحوم البشر أحياء وموتى.