عم مكرم بخيت
حين قررت لأول مرة فى حياتى خوض تجربة الانتخابات (كمرشح وكناخب) كان ذلك عقب ثورة يناير وفى نهايات 2011 واكتشفت أن منطقة الدقى التى ولدت وعشت فيها ما يقرب من نصف قرن أصبحت جزءا من دائرة انتخابية أوسع تضم إمبابة التى أصبحت تضم 60% من ناخبى الدائرة لتصبح الدقى والعجوزة وإمبابة.
وهناك تعرفت بعم مكرم المعلم صاحب أحد المحلات الصغيرة لبيع أدوات كهربائية فى منطقة إمبابة والتى كثيرا ما كان يبيعها بالتقسيط وكان شديد الكرم مع الجميع، وصاحب مبدأ لا يسىء لأحد ولا تخرج منه العيبة.
وفى تجارب الانتخابات عادة ما يطالبك أنصارك وحتى أعضاء حملتك بأن تكون يوميا معهم وتتواصل مع مناطقهم أكثر من غيرهم، وما جرى مع عم مكرم كان العكس.
أذكر أنى أقمت فى شتاء 2011 بمؤتمر انتخابى فى منطقة البصراوى فى إمبابة ورتبه بشكل أساسى الراحل مكرم بخيت وبعد انتهاء المؤتمر ونجاحه أصر الرجل ألا أعود إلى هذه المنطقة مرة أخرى لأنه وأبناءه وأحباءه سيقومون بالواجب وأن الدائرة الانتخابية كبيرة ومن الأفضل أن أذهب لمناطق أخرى غير مضمونة.
وأذكر حين أطلق الإخوان فى بعض مناطق إمبابة مقولة «الشوبكى مسيحى» وطالبنى كثير من المسلمين وبعض المسيحيين أن أكتب على دعايتى الانتخابية اسمى المركب محمد عمرو، وأصررت على الرفض وعدم الخضوع للابتزاز، وكان هو من القلائل الذين دعموا موقفى.
انتهت الانتخابات وفزنا بالمقعد (حصلت على 202 ألف صوت) وظلت علاقتى بالرجل مستمرة لأكثر من ست سنوات حتى بعد حل البرلمان (استمر 5 أشهر) ثم وقف الرجل معى فى انتخابات 2015 رغم انفصال إمبابة عن الدقى وتواصل مع كل من يعرفه لدعمى وكان من أوائل المهنئين بعد صدور حكم محكمة النقض النهائى والبات بفوزى فى الانتخابات متصورا أننا فى دولة قانون وأن البرلمان المنوط به احترام الدستور والقانون سينفذ الحكم. (وهو ما لم يحدث).
ظل الرجل يقرأ المقالات ويتابع الصحف ويحلل فى السياسة والفكر مثل أى مثقف تعلم فى أرقى الجامعات وأفضل بكثير من مدعين سياسة وثقافة ويتصدرون المشهد الإعلامى.
عم مكرم اختار فى الانتخابات الأخيرة أن يكون من أكبر داعمى أحمد عيد فى دائرة إمبابة (الصحفى وعضو لجنة الخمسين لكتابة الدستور) والذى خسر الانتخابات بفارق 90 صوتا (لم يقدم طعنا على نتيجة انتخاباته).
خيارات الراحل ظلت مرهونة بقناعته ومن يراه يحقق مصلحة الناس والوطن، وليس من يدفع أو يحقق له منفعة شخصية.
زرت عم مكرم فى أواخر أيامه فى بيته بعد أن أصابته أورام المرض الخبيث وكنا فى عزائه يوم الخميس الماضى حيث كان هناك مئات المعزين من كل الأطياف.
رحم الله عم مكرم بخيت الرجل الأصيل.