انقراض الأهلي والزمالك!!
لو قلت لأي انسان في مصر أنه سيأتي يوم لن يكون هناك أهلي وزمالك، بالتأكيد سيتهمك بالجنون!.. انت بتخرف يا عم انت؟!.. ده الأهلي والزمالك موجودين في مصر قبل دول كتير في المنطقة ما تكون على الخريطة!..
ومع ذلك.. للأسف هذه هي الحقيقة المفجعة التي ستصدمنا ذات يوم لو استمر حال الكرة المصرية على ماهو عليه، واستمر ايضاً في نفس الوقت اكتفاء الملايين من شباب مصر متابعة منافسات كرة القدم الإنجليزية والأسبانية والإيطالية .. وغيرها..
ومع أني لست ضد اهتمام الشباب المصري بالرياضة العالمية عموماً لما فيها من منافسات حقيقية وحضارية وتنظيم راق وادارة ذكية وكفؤة، إلا أني أرى أنه لو استمر الوضع الحالي للرياضة المصرية والدوري الفقير والبائس الذي تجري مبارياته بدون جمهور منذ 7 سنوات، فإن جماهير الكرة المصرية وخاصة الشباب سوف يصرف النظر تماماً عن الدوري المصري وسوف يجد له مكاناً آخر في أي دوري آخر يقدم كرة قدم متطورة وممتعة في ملاعب إنسانية محترمة ، وأنت اذا سألت الآن أي شاب بتشجع مين؟ سوف يقول لك ليفربول أو برشلونة أو ريال مدريد، وربما يذكر بعضهم الى جانب ذلك بخجل الأهلي أو الزمالك!.. وفي الوقت نفسه لن تجد بين الشباب من يشجع المحلة أو الاتحاد أو طنطا وربما هناك من شباب مصر من لم يشاهد في حياته مباراة للمقاصة او طلائع الجيش او يعرف اي شئ عنهما ، ولو سألت الشباب عن اسماء لاعبي الاتحاد السكندري او انبي لن يذكر لك اسماً واحدا بينما تجدهم يعرفون كل أسماء لاعبي برشلونة ومانشستر سيتي ، والظاهرة المحزنة أن نوادي الشركات التي ظهرت في مصر السنوات الأخيرة وكذلك نوادي المؤسستين العسكرية و الشرطية هي نواد بلا جماهير، وبالتالي فإن صناعة كرة القدم في مصر محكوم عليها بسبب كل هذه العوامل بالموت قبل أن تولد، لأنه ليس هناك في الكرة الارضية دوري بلا جماهير، الا في المحروسة ولا كرة قدم بدون رعاة وممولين كبار الا في بلادنا ، ففي إيطاليا وصل برلسكوني لأكبر منصب سياسي في البلاد من خلال رعايته لنادي ايه سي ميلان، وأمراء وشيوخ الخليج يستثمرون منذ سنوات بالمليارات في نوادي أوربا لأنها تحقق لهم الشهرة والنفوذ وترفع اسم بلادهم الصغيرة عالياً، وبكل أسف فإن رجال الأعمال في مصر لا يجدون في أحوال كرة القدم الحالية في بلادنا ما يغريهم بالاستثمار فيها.
إن غياب المنافسة لسنوات طويلة جعل الأهلي يتربع وحيداً على قمة الدوري ويحصد الألقاب، بينما الزمالك يحاول اللحاق به بكل المشاكل التي تحاصره ، وليس هناك في الكون دوري لكرة القدم لناد واحد ووحيد بلا منافس، دوري مهدد بالتوقف عن إنتاج اللاعبين المحترفين الذين تتهافت عليهم النوادي العالمية . وإذا كنا نتحدث هذه الأيام عن محمد صلاح ونفخر به باعتباره "ظاهرة مصرية كونية" فإن هذه الظاهرة لن تتكرر إذا استمر الدوري المصري فقيراً بلا جمهور واستمرت النوادي مفلسة غير قادرة على شراء اللاعبين، وسيصبح Mo Salah حالة استثنائية وفلتة ضد الطبيعة والتاريخ!
و حينما اتحدث عن انقراض الاهلي و الزمالك أعني به التحول الكامل لانتماء الشباب المصري من تشجيع كرة القدم في بلده الى تشجيع نواد أخرى في الدوريات العالمية، نواد تلعب كرة أخرى ممتعة مليئة بالاثارة والحماس و المنافسة وتقارب المستوى . إن ضياع الانتماء في كرة القدم هو مقدمة لتراجع الانتماء لأشياء كثيرة في البلد ، وبالتأكيد فإنه ليس في صالح الرياضة المصرية استمرار المباريات بلا جمهور لان ذلك لا يقضي فقط علي روح اللعبة بل على أي فرص تسويقية يمكن أن تدعم الفرق الشهيدة في محافظات مصر المختلفة و القادرة على تفريخ مواهب من القري و النجوع لا تقل ابدا عن محمد صلاح. إن أخطر التداعيات ليس فقط هروب الشباب لعوالم أخرى ولكن ، هروبهم مما نفعله بأنفسنا حتى بكرة القدم .
ان الانتماء للوطن لا يتجزأ، نحن عندما كنا أطفالاً كنا نشجع الأهلي أو الزمالك أو الاتحاد أو الترسانة لأن آباءنا وإخواننا الكبار كانوا يأخذوننا معهم للمدرجات أو للنوادي والمقاهي أو نتجمع معهم حول التليفزيون لنشاهد منافسات حقيقية، يوم أن كانت جماهير الأهلي تضع يدها على قلبها عندما يسافر الفريق للعب في المحلة ، أما الآن فالاهلي والزمالك وكل الفرق تلعب كرة بلا طعم وعندما يلعب الاهلي كل مبارياته في ملعب واحد وتكون متوقعاً للنتيجة فأي حافز سيدفع الجماهير للاستمرار في تشجيع ناديها ؟!.. للاسف لا الانتماء للنادي أصبح موجوداً كما كان ، ولا كرة القدم أصبحت ممتعة،.. والحل الوحيد أمام الشباب هذه الايام اصبح هو الجلوس على المقاهي للفرجة على نهائي بطولة أوروبا والانقسام بين تشجيع الريال او بايرن أو ليفربول صلاح ضد روما !!!!