كانت حكاية ككل الحكايات التي لم تكتمل. كلماته عنها كحديث مراهقٍ وقع في الحب لأول مرة، عشقها ،وأي ذنب بعد العشق يا ريتا!. أقف أمام تلك الصورة المُعلقة في غرفتي، أحدق في ملامحها فأبغضها، ثم أطيل النظر إليه، أقبله وابتسم، أتساءل " كيف تجرؤ امرأة على النظر إلى الكاميرا وتترك ذاك العاشق يتأملها، وكأنه يحفر ملامحها على قلبه؟

تطرق إحداهن الباب وتدخل، تلمحني أقف وأتمتم بكلمات وعتاب وغزل، فتقول " مات درويش، وانقضى حُلم اللقاء". كنت أتمنى أن يطيل الله في عمره لأقابله مرة واحدة فقط. لم يكن الفلسطيني محمود درويش مجرد شاعر أعجبتني كلماته، بل رجل تعلقت به وحفظت أعماله كاملة، قرأت كثيراً عن حياته، عن المرأة التي كتب عنها :" من يعرف ريتا ينحني. ويصلي. لإلهٍ في العيون العسلية"، تمنيت لو كنت أنا ريتا.

جننت به وكنت أغار عليه من ريتا !، أحسدها على نعيمها حين أتاح لها القدر لقاءه ومصافحته وتقبيله. وأشفق عليه من ضُر مس قلبه بفراقها، وحزن سكن عينيه هو يكتب " لن تأتِ.. إذاً سأعيد ترتيب المساء بما يليق بخيبتي وغيابها". لو كانوا أخبرونا أنهم سيغيبون، لما كان حالنا يُدمي القلوب بعد رحيلهم.

أحاول التخلص من تلك العادة السيئة، فقد بات تأمل الصورة أشبه بطقوس الصلاة، فقط ينقصني أن أوقد لهما شمعة، وأدعو أن يخلصنا الله من كل النهايات التي توجعنا، من كل عابر سبيل مر على قلبنا وترك ندبة ثم رحل لغريب أخر أو غريبة. ربما كانت الحرب في فلسطين سبباً في النهاية المأساوية لقصة شاعر القضية ومجندة جيش العدو، هنا كنت أواجه حرباً من نوع أخر، أشعلتها تعويذة سيدة في العقد السابع من عمرها، جلست بجوار الطفل المولود وهمست في أذنه "اسمع كلام أمك" ، فكبر المولود وهو يضع تلك التعويذة نصب عينيه، يحب بصدق، ثم يرحل ليتجنب اللعنة التي ستصيبه إن لم يطع تلك العجوز.

جمعنا درويش وحبه فأحببنا. قال :" إني ولدت لكي أحبك"، وصارحته :" رزقت مع الخبز حبك.. ولا شأن لي بمصيري مادام قربك". لم يكن لكلمات الغزل التقليدية في قصتنا مكان، كان درويش حاضراً في كل لحظات الفرح والكآبة والفراق أيضاً. تشرق الشمس برسالته الصباحية" قولي أي شيء لي لتمنحني الحياة دلالها"، ويغفو على خمس كلمات أرسلها له" قليل من الليل قربك يكفي". تتوارد أفكارنا، وتتلاقي قلوبنا ونهمس معاً بكلمة واحدة، فلا أجد ما يعبر عن حالنا سوى:" أنا وحبيبي صوتان في شفةٍ واحده".

وفي الختام، كان لفراقنا نصيباً مما لقياه "درويش وريتا"، تفرق الحبيبان وقضى الله أمراً كان مفعولاً. وأصبحت لا أغار على هذا ولا ذاك، لا أبغض ريتا فيكفي  أنها كانت ملهمة درويش في أروع قصائده" ريتا والبندقية"، وتوقفت عن تأمل الصورة _إلا قليلاً_. فقط أطل على صورة أخرى للأميرة الأخيرة في حياة فارسي القديم، فأحبها رغماً عني . ما زلت أجيبهم حين يسألوني عنك " هذا حبيبي .. وهذا هو المحرم المباح".