
غزة على "حافة الهاوية".. شهادات الجوعى تكشف مأساة الأهالي "جراء حصار الاحتلال"
يعاني السكان في غزة منذ ما يقرب من شهرين، من نقص حاد في الغذاء بعدما فرض جيش الاحتلال حصارًا شاملًا على القطاع، رافضًا دخول أي شاحنة مساعدات إنسانية أو سلع تجارية، وهي أطول فترة تفرض فيها إسرائيل مثل هذا الحصار الشامل.
طعام ملوث
داخل خيمتها المليئة بالذباب في مدينة غزة، تجلس إيمان رجب، وهي تنخل الدقيق في غربال مرارًا وتكرارًا، إذ وجدت نصف كيس في حاوية نفايات يعجّ بالحشرات، وتظهر عليه علامات تلوث واضحة، إلا أنه لا يزال أملها الوحيد لإطعام أطفالها الستة وإبقائهم على قيد الحياة.
قالت "إيمان" لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، عن الخبز الذي تنتجه: "أطفالي يتقيأون بعد تناوله، ورائحته كريهة، لكن ماذا عساي أن أفعل؟ ماذا سأطعم أطفالي إن لم استخدم ما أجده؟".
إنها واحدة من مئات الآلاف من الآباء والأمهات في غزة الذين يكافحون من أجل إطعام أطفالهم في الوقت الذي يتجه فيه القطاع الذي مزقه العدوان الإسرائيلي إلى مجاعة كاملة.
حافة الهاوية
في مطعم "خيري" بالنصيرات، وسط غزة، اصطف مئات الفلسطينيين في طوابير تحت أشعة الشمس الحارقة، الجمعة الماضي، للحصول على الوجبة الوحيدة التي سيتناولها معظمهم ذلك اليوم.
وجلست عائشة، وهي امرأة مسنة، على الأرض، تحمي رأسها من الشمس بالقدر الذي تأمل أن يمتلئ بالطعام. تشعر بالغثيان ورأسها يذوب، كما وصفت.
قالت المسنة بصوت ضعيف من التعب: "نحن نتضور جوعًا، متعبون، ومللنا من هذه الحياة. لا يوجد طعام، لا شيء. الموت أهون من هذه الحياة".
يتجمع الشباب والكبار في مقدمة الصف، وقد رفعوا الأواني والأطباق عاليًا.
أصبحت الوجبة الواحدة يوميًا من هذه الجمعية الخيرية شريان حياتهم الوحيد.
وصرخ أبو صبحي حرارة، غير قادر على احتواء إحباطه، قائلًا: "هذا القِدر - كيف يُطعم ثمانية أشخاص؟ مَن أطعم.. زوجتي.. ابني.. أم كبار السن؟".
أثر واضح
أعلن برنامج الغذاء العالمي هذا الأسبوع، أن مستودعاته أصبحت الآن قاحلة؛ وأن مطابخ الحساء التي لا تزال تعمل تُقنن بشدة مخزونها الأخير؛ وأن ما تبقى من الطعام القليل في أسواق غزة يُباع الآن بأسعار باهظة لا يستطيع معظم الناس تحملها.
وقال عدة أشخاص لشبكة "سي إن إن" إن كيس الدقيق البسيط يكلف الآن ما يعادل 100 دولار.
تتزايد حالات سوء التغذية الحاد لدى الأطفال بسرعة، وهي إحدى المؤشرات الدالة على اقتراب المجاعة.
ووفقًا للأمم المتحدة، تم تشخيص إصابة ما يقرب من 3700 طفل الشهر الماضي، بزيادة قدرها 82% عن فبراير الماضي.
جوع ومرض
وخسر أسامة الرقب، البالغ من العمر 5 سنوات، 8 كيلو جرامًا من وزنه خلال الشهر الماضي، ليصبح وزنه الآن 20 كيلو فقط، حسبما روت والدته.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يبلغ متوسط وزن طفل سليم يبلغ من العمر 5سنوات نحو 40 كيلو جرامًا.
إضافة إلى ذلك، يعاني "أسامة" من عدة حالات مرضية سابقة بما في ذلك اضطراب في البنكرياس ومشكلات في الجهاز التنفسي، التي تتطلب نظامًا غذائيًا غنيًا بالدهون والبروتينات للحفاظ على صحته.
وأصبحت هذه الأطعمة شبه معدومة مع اقتراب الحصار الإسرائيلي من الدخول في شهره الثالث.
يلتصق جلد أسامة الآن بعظامه، وتقول والدته: "إنه بالكاد يستطيع المشي"، مضيفة: "أضطر لحمله في كل مكان. لا يستطيع المشي إلا من الخيمة إلى الحمام لا أكثر". وعندما تخلع والدته ملابسه لتحميمه، يتوجع من الألم. فكل حركة تعد ألمًا له.
توقف الغذاء
أصبحت منظمات الإغاثة التي كانت تُمثل الحل لأزمة الغذاء التي عصفت بغزة طوال معظم هذه الحرب التي استمرت قرابة 19 شهرًا، الآن بلا حلول.
وذكرت "ياسمين ميدان"، منسقة الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي في غزة، وهي تقف في مستودع فارغ، إن "إمدادات المنظمة قد نفدت".
وأضافت: "نحن الآن في وضع يُجبر فيه أكثر من 400 ألف شخص كانوا يتلقون المساعدة من مطابخنا المخصصة للوجبات الساخنة - التي تُمثل شريان الحياة الأخير للسكان - على التوقف عن العمل".
يقول برنامج الأغذية العالمي إنه مستعد لزيادة المساعدات إلى غزة بما يكفي لإطعام جميع سكانها لمدة تصل إلى شهرين إذا سمح الاحتلال بدخولها.
وقالت الأونروا، الوكالة الرئيسية للأمم المتحدة التي تدعم الفلسطينيين، إن لديها ما يقرب من 3000 شاحنة محملة بالمساعدات تنتظر العبور إلى غزة. ويحتاج كلاهما إلى رفع إسرائيل حصارها لإيصال تلك المساعدات.
جريمة حرب
يقول الاحتلال الإسرائيلي إنه قطع دخول المساعدات الإنسانية بحجة الضغط على حماس لإطلاق سراح المحتجزين في غزة. وتندد المنظمات الدولية بانتهاك إسرائيل القانون الدولي، حيث تتهمها باستخدام التجويع كسلاح حرب - وهي جريمة حرب.
ومع تفاقم الأوضاع في غزة، لم تقدم إسرائيل أي مؤشر حتى الآن على أنها تخطط لأي إجراء لتجنب مجاعة شاملة.