تكثيف الزيارات الأوروبية لمصر؟ "عوائد اقتصادية غير مسبوقة"
زادت الزيارات الأوروبية إلى مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل كبير، إذ شهدت مصر أكثر من 70 زيارة من مسؤولين أوربيين مُختلفين، خلال الفترة من 2014 إلى مارس 2024، وهو ما يوضح العلاقات الاستراتيجية الكبيرة بين الدول الأوروبية والدولة المصرية، ومن منطلق أن الاتحاد الأوروبي يُعد قوة اقتصادية كبيرة في النظام الدولي، فالاقتصاد المصري سينعكس عليه مردودات إيجابية كبيرة من تكرار الزيارات الأوروبية وتقوية العلاقات بين الجانبين.
وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على الأهداف الاقتصادية للزيارات الأوروبية إلى مصر، بالإضافة إلى توضيح حجم العلاقات الاقتصادية بين مصر والدول الأوروبية، فضلاً عن توضيح العائد الاقتصادي المتوقع للدولة المصرية من نمو العلاقات الأوروبية معها.
والجدير بالذكر هنا أن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، خلال القمة المصرية الأوروبية في مارس 2024، قالت إنه "لا يُمكن تجنب مصر، بالنظر إلى ثقلكم السياسي والاقتصادي، فضلاً عن موقعكم الاستراتيجي في منطقة مضطربة للغاية، فإن أهمية علاقتنا ستزداد مع مرور الوقت".
أهداف استراتيجية
يُمكن توضيح الأهداف الاقتصادية للزيارات الأوروبية إلى مصر على النحو الآتي:
(-) تحقيق الشراكة الاستراتيجية الشاملة: هدفت القمة المصرية الأوروبية بقصر الاتحادية، إلى رفع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، وتحقيق تقدم كبير في مستوى التعاون بين الجانبين، وتحويل اتفاقية التعاون إلى استثمار فعلي على أرض الواقع، وجاءت هذه القمة لتوضح أن الاتحاد الأوروبي سيعمل على تقديم المُساعدة لمصر التي تواجه الكثير من التحديات في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وفي هذا الإطار وقع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس على الإعلان المشترك لتأسيس مجلس التعاون رفيع المستوى بين البلدين، وهو ما يوضح الهدف الكبير لدول الاتحاد الأوروبي؛ لتعميق كل أوجه التعاون مع مصر.
(-) تعزيز التعاون في مجال الطاقة: ركزت العديد من اللقاءات الأوروبية على تعزيز التعاون مع مصر في مجال الطاقة بشكل عام، خاصة الغاز الطبيعي المُسال، والاستفادة من البنية التحتية المتميزة للدولة المصرية، هذا بالإضافة إلى توسيع التعاون في قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة؛ لاستغلال الموارد المصرية، خاصة الطاقة الشمسية والرياح، كما هدف لقاءٌ مع رئيس شركة إيني الإيطالية إلى استعراض خطط الشركة الحالية والمُستقبلية؛ لاستكشاف وإنتاج الغاز في مصر، بالنظر إلى الفرص الواعدة والإمكانات التي تزخر بها مصر في هذا المجال، وفي هذا الإطار أسفر اللقاء مع رئيس مجموعة "كوبولوزيس" اليونانية للكهرباء، بمواصلة الدراسات الجارية؛ لإقامة مشروعات إنتاج ونقل الطاقة النظيفة من مصر إلى أوروبا عبر اليونان.
(-) توسيع العلاقات التجارية والاستثمارية: تطرقت اللقاءات الأوروبية مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى أن الاتحاد الأوروبي يُعد الشريك التجاري الأول لمصر، وهو ما يتطلب تعزيز الروابط التجارية بين الجانبين بشكل كبير، بالإضافة إلى ذلك اهتمت الزيارات المختلفة بالحديث عن تعزيز استثمارات الاتحاد الأوروبي في مصر، إذ اعتزم رئيس البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير زيادة الاستثمارات داخل مصر.
علاقة مؤثرة
يُستدل على قوة العلاقات بين الجانب الأوروبي والجانب المصري من خلال النقاط الآتية:
(-) حجم التبادل التجاري: تتسم العلاقات التجارية بين مصر والدول الأوروبية بالتنامي الكبير، كما يوضح الشكل رقم (1) فصادرات مصر إلى دول شرق أوربا تبلغ 1,07 مليار دولار، بينما تبلغ قيمة الواردات 1,05 مليار دولار، وتبلغ قيمة صادرات مصر إلى دول غرب أوربا 855,3 مليون دولار، والواردات بقيمة 1,3 مليار دولار، وفقًا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، ويُمكن توضيح هذه العلاقة أيضًا من حجم التبادل التجاري بين مصر والاتحاد الأوروبي، إذ بلغت قيمته 31,2 مليار دولار خلال عام 2023، وجاءت قيمة الصادرات المصرية لدول الاتحاد 11,8 مليار دولار خلال عام 2023، بينما تُسجل قيمة الواردات من دول الاتحاد الأوربي 19,4 مليار دولار، إذ يُغطي الاتحاد الأوروبي نحو 24.5% من حجم تجارة مصر، وهو ما يجعله الشريك التجاري الأول مع مصر.
(-) حجم الاستثمارات الأوروبية في مصر: تُشكل دول الاتحاد الأوروبي جزءًا كبيرًا من الاستثمارات الأجنبية داخل الدولة المصرية، إذ بلغ رصيد الاستثمار المتراكم نحو 38,8 مليار يورو في عام 2021، وهو ما يُمثل نحو 39% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، كما تُعد مصر ثاني أكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبي المباشر من الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، كما يوضح الشكل رقم (2) الذي يُشير إلى أن الأسهم الصادرة من الاتحاد الأوروبي إلى مصر تُقدر بـ21,7 مليار يورو، بينما تبلغ الأسهم الواردة 4,5 مليار يورو، وهو ما يوضح أن الاستثمارات الأوروبية تُعد مُساهمًا أساسيًا في إجمالي الاستثمارات الأجنبية داخل الدولة المصرية.
(-) التمويلات التنموية المتزايدة: تُقدم الدول الأوروبية تمويلات كبيرة للاقتصاد المصري في ضوء الشراكة الاقتصادية بين الجانبين، إذ بلغ إجمالي التمويلات الأوروبية للحكومة والقطاع الخاص بمصر 12,9 مليار دولار بين عامي 2020 و2023، وتأتي فرنسا في المرتبة الأولى من جهة تمويلات الحكومة المصرية بقيمة 2,3 مليار دولار، يليها بنك الاستثمار الأوروبي بقيمة 1,9 مليار دولار للحكومة، و2,8 مليار دولار للقطاع الخاص، ومن هنا يتضح الدور الكبير للدول الأوروبية في توفير التمويل للدولة المصرية.
عوائد مهمة
يُمكن توضيح العوائد الاقتصادية من الزيارات الأوربية إلى مصر في النقاط الآتية:
(-) استقرار الاقتصاد المصري: إن ما خرجت به القمة المصرية الأوروبية الأخيرة، بتوجيه 7,4 مليار يورو (8,06 مليار دولار) على مدى أربعة أعوام، تتضمن قروضًا بقيمة 5 مليارات يورو، واستثمارات بقيمة 1,8 مليار يورو، و400 مليون يورو من المساعدات لمشروعات ثنائية، و200 مليون يورو لدعم برامج تُعالج الهجرة، ومن هنا فإن ضخ هذه الأموال داخل الاقتصاد المصري، سيعمل على تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، ما يُحقق استقرارًا كبيرًا داخل الاقتصاد.
(-) زيادة حجم الاستثمارات: تُتيح الزيارات الأوروبية المُتكررة إلى الدولة المصرية، زيادة حجم القروض من المؤسسات المالية الأوروبية؛ للاستثمار في القطاعات الرئيسية مثل الطاقة المتجددة وإدارة المياه والصرف الصحي والنقل العام والشمول المالي، ودعم المؤسسات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر والتعليم والتدريب المهني، إذ إن الصندوق الأوروبي للتنمية المستدامة (EFSD+)، والخطة الاقتصادية والاستثمارية، يمكنهم حشد ما يصل إلى 9 مليارات يورو من الاستثمارات في مصر حتى عام 2027، وسيواصل الاتحاد الأوروبي دعم المبادرات التي تهدف إلى تعزيز بيئة الأعمال والاستثمار، ومن المتوقع بشكل كبير أن يتم عقد مؤتمر الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي ومصر في شهر مايو 2024؛ لتعزيز هذه الجهود، وهو ما يعمل على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
(-) زيادة حجم التبادل التجاري: إن استمرار قوة العلاقات الثنائية بين مصر والدول الأوروبية، سينعكس على تنشيط التبادل التجاري بينهما بشكل كبير، والاستفادة بشكل أوسع من اتفاقية التجارة الحرة التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2007، إذ يتضح من الشكل (1) أن الدول الأوروبية شريك تجاري قوي مع الدولة المصرية، وهو ما يُمكن البناء عليه بشكل أقوى خلال الفترة الحالية، حتى يتم إلغاء الرسوم الجمركية على المنتجات التي تستوردها مصر من الدول الأوروبية، وهو ما سينعكس على خفض تكلفة التجارة بشكل كبير، ما يُحسن الميزان التجاري، كما أن الزيارات الأوروبية إلى مصر من المتوقع أن تُحرز تقدمًا في دراسات مشروع تصدير الكهرباء من الطاقة المتجددة إلى أوروبا عبر خط البحر الأبيض المتوسط، وهو ما سيُحقق زيادة كبيرة في عائدات التصدير للدولة المصرية.
(-) دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة: يُطلق الاتحاد الأوروبي برنامج "التعاون عبر الحدود لحوض المتوسط"، الذي يهدف إلى تطوير حاضنات الأعمال وتقديم الدعم الفني والمالي لرواد الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، ومن هنا فإن زيادة العلاقات الأوروبية مع مصر، ستؤدي إلى زيادة دعم الاتحاد لهذه المشروعات داخل مصر، مما يُعظم دورها في تنمية الاقتصاد القومي، إذ إن هذه المشروعات أصبحت حجر الأساس داخل جميع الاقتصادات، نظرًا لدورها في تخفيض معدلات البطالة في الدولة.
(-) تحقيق أمن الطاقة: تُساعد العلاقات القوية والمستمرة بين الدول الأوروبية والدولة المصرية على تحقيق أمن الطاقة بشكل كبير، ويقدم الاتحاد الأوروبي دعمًا كبيرًا للدولة المصرية في تحديث استراتيجية الطاقة المتكاملة والحد من الانبعاثات الدفيئة، ولذلك من المتوقع أن تشهد المرحلة القادمة من التعاون استثمارات أوربية جديدة في شبكات الكهرباء والربط بينها، ومشروعات الهيدروجين الأخضر، وهو ما سيخدم هدف الدولة المصرية في الحصول على استثمارات في مجال الهيدروجين الأخضر والتكنولوجيا المتجددة بقيمة 40 مليار دولار.
(-) تحقيق النمو الديموغرافي المستدام: إن الزيارات المتكررة لدول الاتحاد الأوروبي إلى مصر، ستعمل على استمرار دعم الاتحاد لجهود مصر نحو تحقيق نمو متوازن ومستدام بين المحافظات المختلفة، إذ سيوفر الاتحاد 12 مليون يورو؛ لتنفيذ الاستراتيجية القومية للسكان في مصر، كما يُقدم الاتحاد الأوروبي دعماً واسعاً؛ لتعزيز التنمية الريفية المستدامة، من خلال توفير الخدمات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية والبنية التحتية، حيث يتركز 70% من الفقراء في المناطق الريفية، ومن هنا فإن التعاون المشترك بين الدولة المصرية والاتحاد الأوروبي في تنمية المناطق الريفية، سيعمل على خفض معدلات الفقر في الدولة المصرية بشكل كبير.
وعليه، يُمكن القول إن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين المصري والأوروبي من العلاقات القوية في النظام الدولي، إذ إنها من العلاقات التي يعمل الجانبان على تنميتها وتوسيعها، والارتقاء بها إلى مستوى "العلاقة الشاملة"، وهو الأمر الذي سيعود بالنفع على كلٍ منهما، فالجانب الأوروبي يستفيد من الموقع الاستراتيجي للدولة المصرية الذي يجعلها بوابة للتجارة مع إفريقيا، بالإضافة إلى أن أوروبا تستفيد من مصر في سد احتياجاتها من الطاقة، ومن ناحية أخرى سيستفيد الاقتصاد المصري من عائدات التجارة مع الاتحاد الأوروبي ومن الاستثمارات الأوروبية المزمع زيادتها في الفترة المُقبلة، التي ستُساعد في زيادة مرونة الاقتصاد.