"جمال يُشعرك بالذنب" نجاة الصغيرة التي فقدت طفولتها وأبلغ عبد الوهاب الشرطة عن والدها
أطلت المطربة نجاة الصغيرة بعد اختفاء 22 عاماً عن الساحة الفنية؛ ليعود معها الحديث عن "قيثارة الطرب" التي احتلت مكانة لم يشغلها أحد بعدها.
وبشكل مفاجئ، ظهرت المطربة المصرية على مسرح بكر الشدي بالرياض بالمملكة العربية السعودية في حفل joy awards، مساء السبت، خلال تقديمها مقطعاً من أغنية "عيون القلب" بطريقة "بلاي باك".
ورغم أن نجاة الصغيرة (85 عاماً) بدا عليها الوهن وهي على المسرح، فإن ظهورها أسعد الملايين من محبي الفنانة القديرة التي كانت الصوت النسائي المفضل لـ"موسيقار الأجيال" محمد عبدالوهاب.
ولدت نجاة الصغير، واسمها الحقيقي نجاة محمد محمود كمال، في العاصمة القاهرة يوم 11 أغسطس عام 1938 لعائلة فنية، فوالدها محمد كمال حسني البابا، الخطاط العربي الدمشقي الشهير الذي هاجر إلى مصر في شبابه، وعمها الفنان السوري أنور البابا.
خرجت موهبتها للنور مبكراً للغاية، ففي عمر الثامنة خاضت أولى تجاربها الفنية عبر الإذاعة قبل أن يتبناها فنياً "موسيقار الأجيال" محمد عبدالوهاب؛ لتنطلق إلى عالم النجومية والشهرة وتصبح "قيثارة الطرب" التي لم يأت مَن يعوض غيابها عن الساحة.
وعلى مدار مسيرتها الفنية التي استمرت أكثر من 55 عاماً، أبدعت الفنانة القديرة وأطربت الملايين وأمتعتهم بفنها، ومن أبرز أفلامها: "الشموع السوداء، شاطئ المرح، جفت الدموع، ابنتي العزيزة، القاهرة في الليل".
أما في عالم الغناء، فقدّمت نجاة عشرات الأغنيات الطربية ذات الطابع الخاص، أبرزها: "لا تكذبي، ساكن قصادي، عيون القلب"، ونالت العديد من التكريمات بحضور ملوك ورؤساء الدول العربية، وعلى رأسها تكريم الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر لها، وكذلك تكريم الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، وأخيراً تكريمها في السعودية في حفل joy awards.
حياة نجاة الصغيرة كانت قاسية ومليئة بالحرمان، خصوصاً خلال فترة ما قبل شهرتها، كما كانت مليئة بالأسرار والحكايات التي كشفت عنها فيما بعد في عدد من الحوارات، بينها حوار مسجل نُشِر في عام 1967 وتحدثت فيه عن أبرز الصعوبات التي عانت منها وتفاصيل خفية من حياتها.
بداية تلك الأسرار ما قاسته الفتاة الجميلة منذ صغرها، إذ رزق والداها بالكثير من الأطفال وكانت هي أكبرهم، ما حرمها من تجربة أغلب المشاعر التي يختبرها الأطفال في هذه المرحلة.
وقالت نجاة، في حوار قديم: "لم أتذوق طعم الشوكولاتة، لا أتذكرها في طفولتي"، تأكيداً على كونها انشغلت بتربية إخوتها (8 أشقاء) فلم يكن لديها وقت لتناول الشوكولاتة، باعتبارها الحلوى المفضلة لدى الأطفال.
ليس تربية إخوتها ما عكّر صفو طفولتها فحسب، لكن دخلوها عالم الفن مبكراً كان الطرف الثاني في تنغيص طفولتها.
وقالت نجاة، في الحوار، إن البداية المبكرة لحياتها الفنية في عمر خمس سنوات حرمها من الطفولة الطبيعية للأطفال في مثل عمرها، فهي لا تتذكر أنها امتلكت دمية مفضلة مثل بقية الأطفال.
ولم تستطع نجاة التملص من الحياة الفنية المبكرة، خصوصاً أن بيت والدها كان معروفاً باسم "بيت الفنانين"، فأحد أخوة نجاة الصغيرة كان عز الدين حسني، الملحن الموسيقي، الذي درّس شقيقته الموسيقى والغناء.
أيضاً كان شقيقها الآخر سامي حسني يعزف على آلة التشيلو، وهو كذلك مصمم مجوهرات وخطاط، فضلاً عن شقيقتها "السندريلا" سعاد حسني.
وحكت نجاة أن أول ظهور لها على المسرح كان بعمر 6 سنوات، إذ غنت لأول مرة أمام جمهور وكان في حفل وزارة المعارف عام 1944.
من الأسرار التي حكتها نجاة عن بدايتها الفنية هي محاولتها الهروب من المسرح عندما صعدت عليه لأول مرة وهي طفلة صغيرة عندما صفق الجمهور بشدة لحظة ظهورها، لكنها تمالكت نفسها وأدركت أن التصفيق دليل على الحب فانطلقت تغني، وكان هذا يوم ميلاد موهبتها الفنية ومسيرتها الغنائية الطويلة.
وفي عام 1945 بدأت الفنانة المصرية حياتها من الإذاعة، وبعد عامين خاضت أولى تجاربها السينمائية بتقديم فيلم "هدية" في عام 1947، ثم انشغلت بالتدرب على الغناء وتقليد كبار المطربين مثل أم كلثوم، بمساعدة شقيقها عز الدين.
ورغم أن البعض قد يرى أن ما تفعله أمر محمود، فإن "موسيقار الأجيال" كانت له وجهة نظر أخرى قادته لتقديم شكوى ضد والد نجاة، في أغرب موقف يمر على الجمهور في ذلك الوقت.
وما حدث أن الموسيقار محمد عبدالوهاب تقدم بشكوى رسمية في مركز شرطة ضد والد نجاة في عام 1949، ادعى فيها أن "هذا التدريب هو عرقلة للعملية الطبيعية لتنمية صوتها، وأنها ينبغي أن تترك وحدها لتتطور بشكل طبيعي دون تلك التدريبات".
تخطت نجاة ما حدث في تلك الفترة واستمرت في الصعود في عالم الشهرة رويداً رويداً، وساعدها على ذلك زواجها من كمال منسي، أحد أصدقاء شقيقها، في عام 1955.
ورغم أن نجاة تزوجت في سن صغيرة، فلم تكن تخطت 17 عاماً، لكن هذه الزيجة كانت بداية تاريخها الحقيقي في عالم احتراف الغناء، إذ كان زوجها شديد التأثر والإعجاب بصوتها، وأحضر لها كبار المؤلفين والملحنين الذين قدموها بشكل مميز.
وفي تلك الفترة أبدعت نجاة وقدمت مجموعة من أجمل أغنياتها مثل: "أسهر وأنشغل أنا"، "اوصفولي الحب"، "حقك عليا وسامح" وغيرها، لكنها لم تستمر سوى 4 سنوات وانتهت في ساحات المحاكم لرفض زوجها الانفصال الودي.
وأنجبت الفنانة الموهوبة من زوجها ابنًا واحدًا هو وليد، وحصلت على وثيقة الطلاق لتصبح "أصغر مطلقة بحكم قضائي" من بين نجوم مصر وقتها.
الغريب أنه في غضون 6 أشهر خاضت نجاة تجربتها الزوجية الثانية، إذ تزوجت المخرج حسام الدين مصطفى، الذي أخرج لها فيلم "شاطئ المرح" عام 1967، ولم تستمر هي الأخرى طويلاً وانفصلا، لتتفرغ لفنها وتربية طفلها الوحيد.
عانت نجاة الصغيرة من عقدة السيطرة الذكورية على حياتها، بداية من والدها مروراً بسيطرة أشقائها الذكور الذين حاولوا التحكم في أمورها الحياتية الخاصة والفنية، وانتهاء بزوجيها اللذين حاول كل منهما التحكم فيها، وقد يكون هذا أحد أسباب رفضها الزواج مرة أخرى.
من الأسرار التي لم تتحدث عنها نجاة لكن تم تداولها بكثرة في فترة السبعينيات، هي المنافسة الشرسة التي احتدمت بينها وبين السورية فايزة أحمد على الساحة المصرية.
وبحسب مجلة "الموعد"، في عددها الصادر أبريل عام 1972، انتقلت الحرب الشرسة بينهما إلى الحفلات الغنائية على المسرح؛ إذ حاولت نجاة تقليد الأخرى وتعاقدت على إقامة حفل غنائي منفرد بسينما "رمسيس"، لكن الجمهور لم يُقبل عليها واضطرت إلى دفع 200 جنيه لتغطي نفقاتها حرصاً على سمعتها.
من بين الشائعات التي طاردتها خلال مسيرتها الفنية لسنوات هي غيرتها من نجاح شقيقتها سعاد حسني، لكنها ردت في أحد الحوارات بأنها كانت تستعد في فترة الستينيات لتقديم فيلم مشترك مع سعاد، تؤديان خلاله دوري شقيقتين تغني إحداهما من أجل إسعاد الأخرى وتوفير نفقاتها، بل وتضحي بنفسها وتستعذب التضحية في سبيل إنقاذ شقيقتها من المواقف المتأزمة التي تمر بها، لكنه لم يخرج للنور.
تغنى كثر بموهبة نجاة، إذ وصفها محمد عبدالوهاب بـ"صاحبة السكون الصاخب"، معتبراً أن لها "جمال يُشعرك بالذنب"، بينما تحدث عنها الشاعر الكبير نزار قباني معتبرا أن "صوت نجاة يعبّر عن أعماق الأنثى الضعيفة الخجولة التي تخاف من البوح عمّا في عالمها الذاتي من أحاسيس. وأعتقد أنها أفضل من غنى قصائدي وعبّر عنها".