وداعًا داوود عبد السيد.. حكاية رحيل "فيلسوف الصورة"

فقدت السينما المصرية والعربية واحدًا من أبرز مبدعيها برحيل المخرج الكبير داوود عبدالسيد، عن عمر ناهز 79 عامًا، بعد صراع مع المرض، تاركًا خلفه مسيرة فنية استثنائية أعادت تعريف العلاقة بين الصورة والفكرة، وجعلت من السينما مساحة للتأمل وطرح الأسئلة الكبرى حول الإنسان والوجود والمجتمع.

ونعى الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصرية، المخرج الراحل ببالغ الحزن والأسى، مؤكدًا أن السينما المصرية فقدت قامة فنية كبيرة ومبدعًا استثنائيًا ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن السابع.

وقال وزير الثقافة إن أعمال داوود عبدالسيد شكّلت علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية، وتميّزت برؤية فكرية وإنسانية عميقة، وأسهمت في ترسيخ مكانة السينما كوسيلة للتنوير وبناء الوعي، مشيرًا إلى أن اسمه سيظل حاضرًا في الذاكرة الثقافية لما قدّمه من إسهامات رفيعة المستوى.

وأضاف أن الراحل استطاع أن يحوّل السينما إلى مساحة للتفكير وطرح الأسئلة الوجودية، وأن يعبّر بصدق عن هموم الإنسان والمجتمع، لتبقى أفلامه شاهدًا حيًا على موهبة فريدة أثّرت في وجدان أجيال متعاقبة.

وتقدّم وزير الثقافة بخالص العزاء إلى أسرة الفقيد ومحبيه وتلاميذه، داعيًا الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

من جهتها، نعت نقابة المهن التمثيلية برئاسة النقيب وأعضاء مجلس الإدارة المخرج الكبير داوود عبدالسيد، مؤكدة أن رحيله يمثل خسارة فادحة للوسط الفني والثقافي.

وجاء في بيان النقابة، أن الراحل قدّم خلال مسيرته أعمالًا خالدة شكّلت علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية والعربية، وترك بصمة فنية وإنسانية ستظل حاضرة في الوجدان، لما حملته أفلامه من صدق وعمق ورؤية مختلفة.

وتقدّمت النقابة بخالص العزاء إلى أسرته ومحبيه وتلاميذه، وإلى جميع الفنانين والمثقفين، داعية الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يُسكنه فسيح جناته.

أعمال خالدة صنعت وعيًا

ترك داوود عبدالسيد رصيدًا سينمائيًا مميزًا من الأعمال التي أصبحت علامات فارقة في وجدان الفن العربي، من بينها "الصعاليك" و"البحث عن سيد مرزوق" و"الكيت كات" و"أرض الأحلام"، و"أرض الخوف"، و"مواطن ومخبر وحرامي"، و"سارق الفرح"، و"رسائل البحر"، و"قدرات غير عادية"، وهي أفلام لم تكتفِ بسرد الحكاية، بل فتحت أبواب التأويل ودفعت المشاهد للتفكير والمشاركة الوجدانية.

ولم يقتصر تميّز داوود عبدالسيد على الإخراج فقط، بل برع أيضًا في كتابة السيناريو، واتسمت أعماله بالغوص في عوالم إنسانية معقّدة، وتقديم شخوص أصبحت أيقونات في تاريخ السينما، عكست ملامح الواقع الاجتماعي والنفسي بصدق وجرأة.

من التسجيلات إلى فلسفة الصورة

بدأ المخرج الراحل مسيرته السينمائية مساعدًا للإخراج في عدد من الأفلام المهمة، من أبرزها الأرض ليوسف شاهين، و"الرجل الذي فقد ظله" لكمال الشيخ، قبل أن يتجه إلى تقديم أفلام تسجيلية اجتماعية كشفت مبكرًا شغفه برصد المدينة وأهلها، ومنها "وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم" عام 1976، والعمل في الحقل عام 1979، وعن الناس والأنبياء والفنانين عام 1980.

ومنذ فيلم الصعاليك عام 1985، بدأ داوود عبدالسيد في ترسيخ عالمه السينمائي الخاص، وصولًا إلى آخر أفلامه قدرات غير عادية عام 2014، الذي مثّل خلاصة رحلة فنية طويلة اتسمت بالتأمل والبحث والتجريب.

اعتزال هادئ ونهاية تليق بالحكماء

وخلال السنوات الأخيرة، فضّل المخرج الكبير الغياب عن المشهد وأخذ قسط من الراحة بسبب ظروفه الصحية، مكتفيًا بمراقبة الساحة من بعيد، رغم امتلاكه مشروعات سينمائية كان يتمنى تنفيذها، ليختار الاعتزال الهادئ بعيدًا عن الأضواء، كما عاش طوال مسيرته بعيدًا عن الضجيج.

برحيل داوود عبدالسيد، تطوي السينما المصرية صفحة أحد أهم فلاسفة الصورة، لكنها تحتفظ بإرث فني سيظل حيًا، يطرح الأسئلة، ويوقظ الوعي، ويؤكد أن السينما يمكن أن تكون فنًا للحياة والفكر معًا.

 

التعليقات