بي بي سي : أهالي غزة وأطفالهم يحتضنون بعضهم ليموتوا معًا
Friday, October 13, 2023 - 15:06
كتب:
كشف تقرير مصور من خلال شهادات بعض العائلات التي عايشت الحروب المتكررة على قطاع غزة، إلا أن الحرب الحالية "ليس لها شبيه" كما يصف العديد من سكان غزة.
"أهالي القطاع أجمعوا على فكرة واحدة، ننام معاً كي نموت معاً" الصحفية حنان أبو دغيم تقول عبر محادثة مقتضبة أجريتها معها عبر تطبيق واتساب إنها تخلت عن مهنتها في هذه الظروف كي تبقى مع أطفالها
وتضيف: "بيتي في حي الرمال تضرر بشكل كبير، منذ أيام نزحت عنه إلى بيت أخي حيث تبيت ثلاث عائلات معا. عندما يشتد القصف، يبدأ الأطفال بالتشهد، عند اشتداد القصف أقوم بجمع الأطفال وأحاول أن ألهيهم باللعب معاً مع أني نفسي بحاجة لمن يهدأ روعي خلال القصف ويساعدني نفسياً، نحاول التغلب على الوضع بالقول للأطفال: إنها أزمة وستمر وأن الله معنا"
حنان، التي تثمن دور الصحفي في هذه الظروف، تقول إنها ترى أن سلامة عائلتها تأتي أولوية، وتضيف: "أؤكد لك أن أهالي القطاع مجمعون على فكرة واحدة وهي أن يناموا مع أبنائهم جميعاً في نفس الغرفة حتى إذا نزلت قذيفة على البيت، يموت كل أفراد العائلة معاً كي لا يبقى أحد حياً ويتحسر على الأموات"
أكثر من ألف قتيل و آلاف الجرحى في القصف المتواصل على قطاع غزة بمخيماته وأحيائه السكنية
"عندما ينتهي القصف سأشتري لك هدية جميلة" أمٌ أخرى تدعى سحر كمال، تعيش في خان يونس جنوب قطاع غزة لديها طفلان، عندما يشتد القصف تبدأ ابنتها ريتال 4 سنوات بالشكوى من صوت القصف المزعج والذي يسبب لها ألماً في الرأس، فتعدها سحر بـ "هدية جميلة فور هدوء الأوضاع شريطة ان تهدأ"، كما تحاول سحر إصدار أصوات مضحكة كي تجعل طفلها ذا العامين يضحك هو الآخر
ليلى محمد، ثلاثينية وأم لخمسة أطفال، تقول إنها كأم تشعر بالخوف الشديد على أطفالها وتحاول حمايتهم داخل البيت حيث تعتبر الخروج والتشريد "صعباً جداً وفي هذه الحرب لا يوجد مكان آمن أبداً، ومن خلال تجربة التشريد في الحروب الماضية لا تزال ابنتي سلمى تتذكر هذه اللحظات وكل يوم تقول لي لا نريد أن نخرج من البيت لا أريد أن أموت خارج بيتنا، فهي تشعر بأن الصواريخ تلاحق أي شخص يمشي في الشارع لأننا عشنا هذه اللحظات من قبل وهي تخاف من ذلك، وفي الليل تصيبها حالات الذعر الشديد من صوت الطائرات"
لا يبدو الوضع مختلفاً كثيراً عند منال سالم، التي تقول إنها تجلس مع أبنائها في الغرفة ويبدؤون بترتيب الألعاب كي لا يركزوا في أصوات القصف. وتضيف: "ابني الأكبر فارس بعمر الثماني سنوات يذهب إلى الحمام كثيراً وفي بعض الأحيان يتبول على نفسه، وذلك من الخوف الشديد. إنه يكره صوت الطائرات. أنتظر أن تهدأ الأمور قليلاً لكي أذهب إلى أخصائي نفسي لمعالجة أطفالي والخروج من هذه الحالة"
"أغاني الأطفال كانت تعلو على صوت الصواريخ" تصف إيمان بشير هذه الحرب بأنها "لا تشبه ما شهده القطاع من حروب سابقة". كنت قد تحدثت إلى إيمان وهي أم لثلاثة أطفال خلال الحرب السابقة على غزة في مايو أيار عام 2021 . وقتذاك أفادتني ببعض المحاولات الشخصية لمساعدة اطفالها نفسياً للتعامل مع آثار الحرب، مثل قراءة القصص أثناء القصف، واذا كان القصف عالياً تعمد إلى تشغيل مكبرات الصوت ببعض أغاني الأطفال كي يعلو على صوت الصواريخ في الخارج
لكن الآن، وخلال هذه الحرب التي بدأت صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول فتقول إيمان في رسالة مقتضبة جدا عبر الواتساب: "هذه المرة (الحرب) مختلفة، سيئة جدا، لا أدري ماذا أفعل، فزوجي خارج البلاد وأنا معي 3 أطفال، وما يزيد الوضع سوءا هو انقطاع الكهرباء فلا أدري ما العمل، ادعوا لنا فقط"
تشارك إيمان تفاصيل ما يجري في القطاع خلال الحرب عبر صفحتها على موقع إكس، وإن كانت بعض هذه التفاصيل مؤلمة لها من بينها قصف الحي الذي تسكن فيه عائلاتها قبل أيام
"أزمات نفسية متواصلة" نشرت منظمة "أنقذوا الأطفال" تقريراً العام الماضي، تعرض فيه مقارنة بين الحالة النفسية للأطفال في قطاع غزة في السنوات الأخيرة، وأظهرت أن حوالي 88 بالمئة من الأطفال يعانون من اضطرابات عاطفية عام 2022 مقارنة بما نسبته 55 بالمئة في الأعوام السابقة، إلى جانب عدد آخر من الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الأطفال وآخذه نسبتها بالازدياد كالخوف والقلق والحزن الشديد، بحسب التقرير
ويُعد قطاع غزة من بين أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، حيث يعيش فيه حوالي 2.3 مليون فلسطيني في منطقة طولها 41 كيلومترا (25 ميلا) وعرضها 10 كيلومترات. ويعتمد نحو 80 في المئة من سكان غزة على المساعدات الدولية، بحسب الأمم المتحدة، كما يعتمد نحو مليون إنسان على المساعدات الغذائية اليومية
ومع كل حرب أو بعدها يشهدها القطاع، يحاول أفراد وناشطون وكذلك مؤسسات غير ربحية مساعدة الأطفال لتجاوز الصدمات التي مروا بها. ومن بين هؤلاء ناشط شاب يدعى أحمد حجازي، حيث يوثق من خلال حساباته على منصات التواصل بعض الفعاليات البسيطة والهادفة وتحمل هدفاً واحداً "إسعاد أطفال غزة"
لكن ما يقدمه الشاب أحمد حجازي يتغير فور أن تبدأ الحرب، فبدأ بتوثيق وضع الأطفال الصحي في القطاع، سواء الذين تعرضوا بأنفسهم للقصف او ما يعايشونه في هذه الأيام
وما يزيد من حدة الأزمات النفسية، أن معظم هؤلاء الأطفال عاشوا في غزة في ظل الحصار فقط والذي بدأ منذ 16 عاماً، أي أنهم لم يعرفوا غزة دون حصار إلى جانب خمسة حروب سادسها التي يعيشها القطاع هذه الأيام
هل الصحة النفسية "رفاهية" في أوقات الحرب؟ قد يتبادر هذا السؤال لمن يعيش ظروف الحرب أو حتى للمتابع عن بعد، ففي ظل انعدام وجود مكان آمن في غزة حيث لا ملاجئ وانقطاع لشبكة الطرق وكذلك الكهرباء والماء، فيبدو الاعتناء بالصحة النفسية ضرباً من الترف غير المهم. لكن بحسب الأخصائيين النفسيين فإن ما يُسمى ب "الإسعافات النفسية الأولية" تفيد على المدى الطويل، حتى لو باتباع خطوات بسيطة
إحدى المؤسسات غير الربحية مثلاً تقوم بعرض نصائح للعائلات وأطفالها عبر موقع فيسبوك، من بين النصائح التي يقدمها أخصائيو هذه المؤسسة هي "مشاركة الأطفال في التعبير عن مشاعرهم يساعد في التغلب على الفقدان"
يقول مدير برنامج غزة للصحة النفسية، الدكتور ياسر أبو جامع إن "القدرات المعرفية لدى الأطفال ليست كالكبار، ولكنهم يستشعرون الخطر بشكل كبير ولافت، بمجرد النظر في عيون ذويهم، وعندما يلحظون التوتر لدى الكبار، وبالطبع عند سماع أصوات القصف والانفجارات"
وينصح الدكتور أبو جامع الأهالي في غزة بمحاولة التقليل من بعض العادات للتخفيف من نقل التوتر والقلق من الكبار إلى الأطفال، قائلا: "على الأهل التقليل من النظر عبر النوافذ، والتقليل من متابعة الأخبار طوال الوقت وإشراك الأطفال في البحث عن مكان آمن في البيت، أو التخطيط للانتقال إلى بيت أحد الأقارب، فإشراك الأطفال في هذا القرار يشعرهم بالطمأنينة خاصة عند سماعهم صوت الانفجارات"
ويضيف الدكتور أبو جامع إن على الأهل محاولة "اتباع وسائل تساهم في تخلص أطفالهم من القلق، مثل تشجيعهم على الحديث عن مخاوفهم، لكن دون اللجوء إلى تزويدهم بأخبار كاذبة او ووعود وهمية. من الأنسب التحدث عن الخوف والانخراط معهم في أنشطة يومية اعتيادية، ومحاولة الاستمرار في الروتين اليومي قدر الإمكان"
المدارس تحولت إلى ملاجئ في العادة تكون المدارس ملاذا للأطفال للقاء الأصدقاء والدراسة واللعب في الساحات، إلا أن مدارس الأونروا في قطاع غزة فتحت أبوابها هذا العام لاستقبال العائلات النازحة. وبحسب آخر الأرقام الصادرة عن الوكالة فإن أكثر من 280 ألف مواطن غزي توجهوا إلى أكثر من 92 مدرسة ومرفقاً تابعاً لها في القطاع لغاية يوم الخميس، وهو اليوم السادس في الحرب. فيما نزح آلاف آخرون إلى المدارس الحكومية الموجودة في القطاع
وذكرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين أن المدارس والمرافق التي لجأ إليها الناس مكتظة للغاية وتتوفر فيها كمية محدودة من المواد الغذائية وإمدادات المياه
أشعر بأن جسدي كله يؤلمني بسبب إخفاء حزني وبكائي عن أطفالي" تقول سعاد جبر، وهي أم ثلاثينية من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، إن الأمهات يعيشن حالة صعبة في الحرب، فعليهن التحلي بالقوة أمام أطفالهن. وتضيف: " أشعر بأن جسدي يؤلمني كله بسبب اخفاء حزني وبكائي عن أطفالي، أشعر بأن الطاقة السلبية تسبب التشنج لعضلات جسمي وتتلف أعصابي، أحاول أن أكون قوية أمام أطفالي"
وتحاول كل أم أن تجهز حقيبة لحفظ الأوراق الضرورية كي تتمكن من الإخلاء عند القصف بسرعة هي والأطفال، وهذا ما حدث مع سعاد جبر التي خرجت من منزلها بعد تم قصف منطقة السكة ومن ثم عادت مرة أخرى لمنزلها الذي تضرر قليلاً حيث "لا يوجد مكان آمن"
التعليقات