أحداث السودان.. الناجون من الموت يتحدثون: الطلاب ماتوا جوعًا.. والرصاص يحاصرنا
أحلام كثيرة رسمها طلاب وعمال مصريون، تركوا بلادهم الآمنة المستقرة وسافروا إلى السودان بحثاً عن حلم التفوق الدراسى أو العمل فى ظروف أفضل، إلا أن طلقات الرصاص كانت فى انتظارهم.. وتبدلت معالم الأحلام لكوابيس يعيشونها جميعاً على أصوات طلقات تبادل النيران بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع.
الكثير من أبناء الجالية المصرية فى السودان يؤكدون أنهم يشاهدون الموت بأعينهم فى كل لحظة، سواء جوعًا مع إغلاق المحلات بشكل مستمر، أو مرضاً مع صعوبة الخروج من منازلهم للحصول على العلاج، بالإضافة إلى انتشار العصابات المسلحة فى الشوارع والتى تهدد حياة كل من يغادر منزله، وقد يلحقهم الموت أيضاً وهم بين جدران منازلهم المظلمة بسبب نيران الحرب التى لا تفرق بين مدنى وعسكرى، فطلقات الهاون التى يدوى صوتها فى كل مكان تهدد آلاف المنازل بالانهيار على رؤوس من فيها.
منذ 4 أشهر ماضية وصل عوض جبريل إلى السودان أملاً فى تحقيق أحلامه التى راودته طيلة سنواته الماضية، وسعى وراء تكوين ثروة مالية من نشاطه فى نجارة الموبيليا، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، وتبدل الحلم إلى كابوس يحاصره ليلاً ونهارًا.
«عوض».. شاب ثلاثينى وطأت قدماه أرض السودان بالتحديد «أركويت» والتى تحتضن الكثير من الجالية المصرية بعضهم عمال وبعضهم طلاب يدرسون فى المدارس والجامعات السودانية.
كغيره من أبناء الجالية المصرية المُحترفين للمهن المختلفة يحاول أن يستثمر أوقات يومه ويسخر طاقاته فى تكوين مستقبل أبنائه حتى فوجئ بطلقات الرصاص تحاصره فى مكان عمله.
«كان يوم مشؤوم.. حسيت بالموت بيقرب منى وفضلت استغفر ربنا قبل ما أموت».. يتذكر الشاب سيناريو بداية أزمة الحرب القائمة بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، وقال طلقات الرصاص اخترقت جدران المنزل الذى أعمل به وأصابت بعض الأخشاب التى كنت أعدها لعمل حجرة نوم، وتابع: «النار كانت هتاكل جهد شهر كامل غير تكلفة شراء الخشب».
يصمت الشاب قليلاً ويعود قائلاً إنه ترك مصر وذهب إلى السودان لتكوين مستقبله، ولكنه حاليًا أصبح محاصرًا إما الموت جوعًا خاصة بعد نفاد الطعام من منزله وإغلاق المحلات طوال اليوم، أو الموت بالرصاص الحى الذى يدوى فوق رأسه ليلاً ونهارًا، وأكد عوض أن طلقات الرصاص فاجأته يوماً وهو نائم على سريره داخل غرفته، بينما طلقات الهاون تخترق الجدران وتمر بجوار السكان.
وبصوت حزين تسابقه الدموع قال عوض: إن جميع محلات السودان مغلقة خوفًا من النيران، ومن يستطع فتح المحل يستغل الموقف ويعلن رفع الأسعار بنسبة 900%، حتى وصلت قيمة المصروفات للفرد الواحد لأكثر من 10 آلاف جنيه مصرى نظير شراء المتطلبات الأساسية.
وأضاف قائلا: «فيه طلاب كتير توفوا جوعًا بعدما أفلسوا وعجزوا عن التواصل مع أسرهم فى مصر ودفناهم».. وتابع قائلاً: «سعر تذكرة السفر لمصر حاليًا 300 ألف جنيه وعاجز عن شرائها طبعاً.. بالتالى فأنا محتجز هنا.. لا أنا عارف أروح لعيالى ولا الحكومة المصرية عارفة توصل لنا».