تسونامي السعودية على الفساد .. اقصاء للمعارضين أم ثورة تصحيح؟
تساؤلات كثيرة شغلت الرأي العام العربي كله عقب موجة التوقيفات التى شنتها المملكة العربية السعودية، طالت عددًا من المسئولين السابقين والأمراء والوزارء السعوديين، على رأسهم الأمير الوليد بن طلال ووزير الحرس الوطني السابق متعب بن عبدالله، ورجل الأعمال وليد الإبراهيمى، فى تحرك مفاجىء يعيد إلى الأذهان مع فعله السادات فى 15 مايو ضد مراكز القوى"ثورة التصحيح"، فما هو الدافع الحقيقى للحملة الأخيرة لتوقيف أمراء ومسؤولين في المملكة؟ وهل يكون لإلقاء القبض على هذا العدد من الشخصيات البارزة في السعودية تداعيات سلبية ؟ وهل فساد بعض الأمراء والمسؤولين حدث فجأة أو اكتشفته السلطات فجأة، ولماذا تم الابقاء على الفاسدين المؤيدين للملك، وهو ما رددته معارضة سعودية فى لندن.؟.
بعض التحليلات ربطت بين الحرب على الفساد فى السعودية، ومذبحة المماليك التى نفذها محمد على فى القلعة لاخلاء الساحة والانفراد بالسلطة لتحقيق الاصلاحات السياسية والاقتصادية التى يريد تنفيذها، وعلى طريقة الجد الأكبر عبد العزيز لتوحيد واقامة أركان المملكة بالقوة ضد القبائل المنافسه له.
فيما رأى آخرون أنها نتيجة معلومات استخباراتية عن مؤامرة كبيرة للاطاحة بالملك وابنه خاصة من قبل الأمير متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطنى بعد إعفائه من منصبه.
وتساؤال البعض هل هذا تدعيم اركان حكم الملك القادم ما استدعى سرعة تخلصه من معارضيه، أم ثورة تصحيح، ،
تساؤلات ودهشة
الحملة المفاجئة التي يقف على رأسها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أثارت المزيد من التساؤلات بجانب ما أثارته من صدمة، ورغم أن هناك العديد من مؤيدي ولي العهد السعودي الشاب، يرون أنه عازم بالفعل على مواجهة الفساد في الدولة السعودية مهما كلفه الأمر، فإن هناك الكثير من المتشككين في المسار الذي تسلكه مؤسسة الحكم السعودية برمته، وهم يطرحون تساؤلات عديدة من قبيل لماذا الآن؟، وهل هؤلاء الذين تم توقيفهم في السعودية هم الفاسدون الوحيدون؟ وألم تكن السلطات السعودية تعرف بنشاط هؤلاء الأشخاص على مدى السنوات الطويلة الماضية؟
ويرى هؤلاء المتشككون في المسار السياسي للمملكة العربية السعودية حاليا، أن كل ما يتخذ من قرارات حاليا، لا يستهدف سوى التخلص من أي تهديد محتمل من قبل أطراف سياسية، ربما تعارض تولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان السلطة، والذي يقول كثيرون إنه بات قاب قوسين أو أدنى، وأن الخطوة الأخيرة بتوقيف هذا العدد الكبير من الأمراء والمسؤولين النافذين في البلاد، لا يمثل إلا مرحلة من مراحل إخلاء الساحة لولي العهد السعودي، لتولي سدة الحكم في البلاد، ولكي يصبح الملك القادم للسعودية دون منازع.
ويعتبر هؤلاء المتشككون، أن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز أراد أن يكسب بهذه الخطوة تعاطفا من قبل الرأي العام السعودي، ومن ثم أظهر التخلص من خصوم ابنه المحتملين، على أنه حملة لمكافحة الفساد.
صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية اعتبرت ما حصل تشديدا لقبضة ولي العهد السعودي الحديدية على العائلة الحاكمة لقمع موجة غضب متصاعدة داخلها نتيجة تركيز السلطات العسكرية والمالية والإعلامية في يد الأمير محمد بن سلمان بعد أن كانت موزعة ضمن العائلة.
وكذلك لمنع كل المنافسين المحتملين، وهو ما يفسّر، على الصعيد المالي، اعتقال الوليد بن طلال وتجميد حساباته، ويفسّر، على الصعيد العسكري، إعفاء ثم اعتقال الأمير متعب، الذي كان خلال حكم والده عبد الله، مرشّحاً للدور الذي يلعبه وليّ العهد الحالي.
ثورة تصحيح
هيئة كبار العلماء في السعودية أعلنت مساندتها للإجراءات معتبرة "مكافحة الفساد" مثل "محاربة الإرهاب"، ومن المؤكد أن باقي المواطنين السعوديين كانوا سيسعدون أيضاً لو حصلت معجزة وتم محاسبة كل الفاسدين في المملكة، وليس بعضهم فحسب.
ولأن هذه المعجزة مستبعدة فهم، على الأغلب، لم يصدقوا، بأن "لا خلافات شخصية" بين ولي العهد والأمراء والمسؤولين الموقوفين، أو بأن القانون "سيطبق على الجميع لا أمير أو وزير"، كما قال عبد الرحمن الراشد، رئيس لجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى السعودي مدافعا عن القرار أمس.
وفي نفس السياق أكد مستشار بالديوان الملكى السعودى، تركى آل الشيخ، أن ليلة الأحد لن ينجو فيها أحد، جاء ذلك على صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعى تويتر.
وقام آل الشيخ، بإعادة نشر فيديو للأمير محمد سلمان، ولى العهد السعودى، على صفحته، الذى قال فيه فى لقاء مسجل، «لن ينجو أى شخص دخل فى قضية فساد أيًا من كان، سواء أمير أو وزير»، يأتى ذلك تزامنا مع حملة شنتها المملكة ضد الفاسدين والتحفظ على أموالهم ومنعهم من السفر.
وكتب باتريك وينتور في صحيفة الغارديان مقالا تحليليا بعنوان "إصلاحي في عجلة أم محاولة لتعزيز قبضته على الحكم".
وقال كاتب المقال إن "ما من أحد يشكك في أن ولي العهد السعودي ليس في عجلة من أمره"، مضيفا أن " قراره باعتقال 11 أميرا 4 وزراء والعشرات من الوزراء السابقين يظهر أنه رجل لا يأبه المخاطر على درجة لم تشهدها منطقة الشرق الأوسط من قبل".
ورأى كاتب المقال أن وجود الأمير الملياردير الوليد بن طلال ضمن جملة الأمراء الذين اعتقلوا واحتجزوا في فندق ريتز كالتون الفاخر في الرياض يعني أن "ولي العهد مستعد للتخلص من أقوى الشخصيات السعودية من أجل تنفيذ جملة الإصلاحات التي يريد تطبيقها وتوطيد قبضته على الحكم".
وأشار إلى أن " ولي العهد قد يبقى في سدة الحكم لنصف قرن".
ورأى كاتب المقال أن "السرعة وعدم التنبؤ بتصرفات ولي العهد، أمر يقلق المستثمرين الأجانب."
وقال إن "بعض أسماء المحتجزين يخطف الأنفاس"، مشبها ما حدث بأن تقرر رئيسة الوزراء في بريطانيا إقالة نصف مجلسها مرة واحدة.
ورأى محللون أن بعض الموقوفين معارضون للسياسة الخارجية التي تتبعها السعودية حالياً، بينما ينظر بعضهم الآخر بريبة إلى الإصلاحات الاقتصادية التي يعتمدها الأمير محمد، وبينها تخصيص قطاعات عامة وتقليل الدعم الحكومي.
ونفى عبد الرحمن الراشد رئيس لجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى السعودي وجود أي خلافات بين ولي العهد والأمراء والوزراء الموقوفين أو أن يكون نجح بهذا الإجراء في تعزيز سلطاته والإطاحة بخصومه.
ووصف الراشد القرار بالخطوة الصحيحة لزيادة جذب الاستثمارات الخارجية للمملكة على عكس ما يردد البعض، مضيفاً: "في الماضي كان البعض يعيب ويثير قضية غياب الشفافية وأن هناك مجاملات تتم للبعض أو أن البعض لا تتم محاسبته أو أن القانون لا يطبق على الجميع، وهذا كله انتهى لا أحد فوق القانون، لا أمير ولا وزير".
إلا أن تتبع مسار حملة الاعتقالات والمجالات التي يعمل فيها المعتقلون يبين أن الأمير الشاب يريد الانفراد في السيطرة على مراكز القرار المؤثرة عسكرياً واقتصادياً - بل وحتى دينياً - من أجل تمهيد الطريق إلى تنصيبه على عرش المملكة الغنية بالنفط.
السيطرة على مقاليد الحكم
عن ذلك يقول أتش أي هيلير من مؤسسة المجلس الأطلسي البحثية في واشنطن: "بهذه التوقيفات الواسعة النطاق تواصل السلطات السعودية نهجاً لمحناه خلال الأشهر الماضية".
ويضيف هيلير لوكالة الأنباء الألمانية أن احتجاز هؤلاء الأمراء والمسؤولين السعوديين تتعلق بترسيخ السلطة والنفوذ، لكن المفاجئ هنا هو السرعة التي يجري فيها هذا الأمر".
وبناء على ذلك لم يكن من المفاجئ أن تطال الاعتقالات الأمير متعب بن عبد الله، الذي أُقيل من وزارة الحرس الوطني، وهو نجل الملك الراحل عبد الله، بتهمة الفساد في صفقات سلاح، وأخيه الأمير تركي بن عبد الله أمير الرياض السابق وذلك بتهمة الفساد في مشروع "قطار الرياض". وكان يُنظر إلى ابن الملك الراحل عبد الله، على أنه وريث محتمل للعرش، وكان آخر فرد من فرع عبد الله في الأسرة المالكة يحتل منصباً رفيعاً في الحكومة السعودية.